في ظل التغيرات والتقلبات التي تشهدها خدمات النقل والسكان في المملكه ، والزيادة السكانية المتسارعة ، فقد باتت الحاجة ملحة لإيجاد وسائل نقل عام تفي باحتياجات السكان ، حيث يعتبر النقل الركيزة الأساسية لتطوير النشاط الاقتصادي وهو من أهم دعائم الهيكل الاقتصادي ، فإن تقدم اقتصاد أي دولة مرهون بامتلاكها وسائل نقل حديثة وشبكة طرق متطورة، ولهذا فإن تطور وسائل النقل يأتي جنباً إلى جنب مع تطور الإنسان وزيادة متطلباته والايفاء باحتياجاته. ولقد أصبحت الزيادة غير المعقولة في أعداد السيارات الخاصة في مدننا تشكل خطرا محدقا على السكان ومشاريع التنمية ، فأصبح الكل يتنقل بواسطة سيارته الخاصة ، سواء كانوا مواطنين او مقيمين ، صغارا او كبارا ، وحتى الطالب الذي لا يتجاوز عمره ستة عشر عاما يذهب الى المدرسة بسيارته الخاصة، ومن يدري ربما المرأة ايضا تقود سيارتها قريبا وتزيد الطين بله ! فالمدرسة التي تحتوي على 200طالب قد تجد أمامها 200 سيارة ، وأما الموظفون فحدث ولا حرج سواءا في الدوائر الحكومية أو في القطاع الخاص ، فالدائرة التي تضم 100 موظف على سبيل المثال تجد فيها 100 سيارة وهي بذلك تحتاج الى توفير 100 موقف ، مع العلم بأنه بالامكان نقل المائة موظف بواسطة باصين أو ثلاثة فقط ، فلماذا لا يتم الزام الادارات الحكومية والشركات والقطاع الخاص بتوفير وسائل مواصلات عامة تقوم بنقل الموظفين بين منازلهم ومقار أعمالهم ، وكذلك الحال في المدارس ، فالموظف لو وجد وسيلة تنقله الى عمله في مواعيد محددة فإنه لن يستخدم سيارته ، وبذلك سيتم تلافي نسبة كبيرة من الازدحام والاكتظاظ الذي يحدث في أوقات الصباح والظهيرة ، والقضاء على الاختناقات المرورية التي تشهدها شوارع المدن ، فلم تعد هذه الأعداد الهائلة من السيارات تجد لها مكانا للسير في الشوارع رغم ما تقوم به الجهات المعنية من مشاريع توسعة الشوارع وفتح الطرق الجديدة وانشاء الجسور والأنفاق وغيرها ومع ذلك فلم تعد هذه المنشآت قادرة على استيعاب أرتال السيارات التي أصبحت تتزايد بشكل مخيف ، وهي على هذا الوضع فإن هذه الزيادة في أعداد السيارات تعد امرا طبيعيا في ظل عدم وجود البديل المناسب لها. وثمة تساؤلات عدة مع إخفاق مشاريع النقل رغم حيوية واهمية هذا القطاع ، فقبل عدة عقود من الزمان أُنشئت شركة للنقل الجماعي داخل المدن ، وتم تطبيق التجربة ولكن على استحياء ، فقد ادت دوراً جيدا في ذلك الوقت ، وكانت تنقل طلاب المدارس والمواطنين وساهمت بشكل جيد في الحد من استخدام السيارات الخاصة، ولكن مع الاسف لم يكتب لهذه التجربة الاستمرارية والتطوير ، ربما بسبب غياب التخطيط السليم أوالحرفية المطلوبة في التشغيل ، وبالتالي ارتفاع التكاليف وتدني مستوى الخدمات ، فحشفا وسوء كيل. ففي جميع مدن العالم حتى الفقيرة منها توجد وسائل للنقل العام وهي مدروسة ومأخوذة في الاعتبار من قبل مشاريع التنمية والتخطيط والنقل الحضري ، وفي معظم المدن المتطورة المواطن لا يستخدم سيارته الخاصة إلا في نهاية الاسبوع، وقد حان الوقت لتطبيق النقل العام بمفهومه الصحيح في مدننا على ان تكون ذات مستوى عال في الخدمة والانتظام في المواعيد والشمولية لجميع المناطق والاحياء حتى تؤدي دورها على الوجه المطلوب وتفي باحتياجات السكان وتمكنهم من الاستغناء عن سياراتهم الخاصة بشكل عملي.