عند عتبة باب شريف (جنوبجدة) ستجد مشهدًا يثير فضولك ويستفزك في ذات الوقت، أرتال من السيارات المصطفة لا يفصل بعضها عن بعض سوى سنتمترات محدودة، الكل هناك ينتظر دوره للعبور، حافلات البلدة الشهيرة، سيارات الأجرة، الخصوصي، وعربات العمال...والنتيجة زحام لا ينتهي على مدار اليوم. كل من تقوده قدماه إلى هناك ترتسم على وجهه علامات الدهشة والاستغراب من وجود هذا العدد المهول من السيارات دون أن تكون هناك مواقف مخصصة لهذا السوق المركزي الذي يغذي معظم مناطق المملكة ببضاعته، أسوة بأبناء عمومته من الأسواق المجاورة. وآخرون كثر تراهم حيارى لا يدرون أين يقفون؟ يحوقلون ويحسبلون، ثم يديرون أعينهم ذات اليمين وذات الشمال علّهم يحظون بموقف ولو كان غير نظامي. وتشكل الكثافة المرورية التي يشهدها هذا السوق الشعبي بشكل يومي صداعًا مزمنًا لكل مرتاديه، وبات تفكيرهم في الحصول على موقف نظامي همًا يحملونه فور وصولهم إلى مشارفه. يحدث ذلك على الرغم من توفر مساحة كبيرة وسط السوق متعارف عليها بين أهالي جدة ب (برحة باب شريف) كانت على مدى سنين عديدة مخصصة لمواقف السيارات، إلا أن وزارة الصحة قررت إغلاقها منذ خمس سنوات تقريبًا إلى أجل غير مسمى. ووفقًا لما رواه لنا عدد من المعمرين في السوق، كانت البرحة منذ ما يزيد عن عقدين عبارة عن مستشفى يتبع وزارة الصحة، وبعد أن أزيل حولتها الأمانة إلى مواقف للسيارات تتسع لقرابة 800 سيارة، إلا أن الوزارة اعترضت على تصرف الأمانة في الأرض. 5 سنوات حبيسة الإهمال وقال العم علي عبدالصمد -62 عامًا- وهو أحد أشهر الباعة في باب شريف :» البرحة كانت منذ عشرين عامًا مستشفى لوزارة الصحة، ولما أزيلت بقيت البرحة شاغرة فحولتها أمانة جدة إلى مواقف للسيارات، فاعترضت الوزارة بحجة ملكيتها للأرض فأعيدت إليها لتبقى منذ ما يزيد على خمس سنوات حبيسة الإهمال دون الاستفادة منها». ولهذه البرحة اسم تعارف عليه الناس، وأصبحوا يستدلون به في أوصافهم كلها ألا وهو (برحة المواقف) لكن تلك البرحة لم تعد كما كانت في السابق موقفًا للسيارات بأمر وزارة الصحة وحدها. نزع ملكية الأرض واقترح عبدالله الشريف وهو بائع في أحد معارض السوق، على المسؤولين في الأمانة «نزع ملكية الأرض من وزارة الصحة وتعويضها بأخرى بحكم أن المنطقة الآن تجارية بالدرجة الأولى وكان من الأولى إسناد إشرافها إلى الأمانة بدلًا من الوزارة التي أغلقتها، ولم تلتفت إلى معاناة الزوار ومرتادي السوق في الحصول على مواقف لسياراتهم». استثمار متعدد المنافع ويقول خالد عمر با سالم (أحد المتسوقين):» تمكث أرتال السيارات أحيانًا الساعات الطوال بغية دخول السوق لنفاجأ بعد ذلك كله بإغلاق برحة المواقف». وأضاف: « لو فتحت تلك البرحة مقابل رسوم رمزية فإنها ستعم بنفعها كل الأطراف بما فيهم السائق الذي يجد معاناة في الحصول على موقف، وكذلك الشركة المستثمرة للبرحة،إضافة إلى وزارة الصحة بحكم أنها مالك الأرض». ميدان للجرد السنوي وفي ظل هذا الجدل المحتدم فضل عدد من أصحاب المعارض الانتفاع من تلك البرحة بطريقتهم الخاصة، وذلك بتخصيص الجرد السنوي لمبيعاتهم في ذلك الفضاء المتسع نهاية كل عام مالي بعيدًا عن زحام السيارات وصخبها. مواقف خاصة وللتغلب على نقص المواقف لجأ بعض ملاك المباني المجاورة للسوق إلى تخصيص بدروم المبنى لمواقف السيارات باشتراك سنوي قيمته 3000 ريال تقريبًا، فيما خصص أحد المراكز التجارية مواقف للمستأجرين فيه بغية تشجيعهم على الاستثمار في السوق. 38 حادثًا و 11880 مخالفةً وفي السياق ذاته أوضح مدير مرور جدة العميد محمد حسن القحطاني في تصريح ل «المدينة» أن عدد الحوادث المرورية التي وقعت بتقاطع شارع الذهب (امتداد سوق باب شريف) مع شارع الملك عبدالعزيز بلغ 38 حادثًا مروريًا خلال الأشهر الستة السابقة، كما أن مخالفات الوقوف الخاطئ في منطقة البلد خلال نفس الفترة بلغت 11880 مخالفة». وأشار العميد القحطاني إلى وجود تنسيق مع أمانة جدة بشأن الاستفادة من (برحة باب شريف) وتخصيصها كمواقف للسيارات، وذلك بالتنسيق مع الجهة الحكومية المالكة للموقع. لجنة وزارية من جهته أوضح مدير إدارة اقتصاديات الصحة بالشؤون الصحية في محافظة جدة صالح غالي الحربي أن «هناك لجنة وزارية مشكلة لمتابعة أرض باب شريف، انبثقت منها لجنة أخرى تحضيرية برئاسة مدير عام اقتصاديات الصحة بالوزارة لاتخاذ القرار المناسب بصددها، وحين الانتهاء من دراسة الموضوع سيتم اتخاذ القرار المناسب في حينه». يشار إلى أن تلك اللجنة شكلت عام 1426 ه تقريبًا تضم في عضويتها مندوبًا من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة المالية، إضافة إلى وزارة الصحة، ولكنها ومنذ ذلك الحين لم تخرج بأي توصيات.