أحتفظ ضمن أرشيف الصور الخاص بي بصورة طفل صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره وهو يكب على تلميع حذاء أحد زبائنه وهو يبتسم ابتسامة الرضا رغم تواضع عمله، والهلاهيل التي يرتديها مثل قمة الأمل والتفاؤل والإقبال على الحياة بحلوها ومرها.. صورة جميلة رغم كم الأسى الذي تحمله، فهي صورة لا تفارق ذهني كلما نظرت إلى أطفال لا يجدون لقمة العيش بينما يتمتع غيرهم برغد العيش وحلوه، ويفجُرون في الإنفاق بما لو وُزع على كل أطفال العالم لكفاهم.. وزاد. **** وقد جعلت من هذه الصورة بمعناها البعيد مدخلاً لأحد فصول كتابي: (حكاية صرماية: العرب وثقافة الحذاء)، وهو فصل بعنوان «ماسحو الأحذية».. وإذا كانت فكرة الكتاب، كما أوردت في الإهداء، قد أتت بعد قراءتي (الثرية) لمذكرات أحد الدبلوماسيين، واكتشفت أن كل مؤهلاته «إنه موجود عند باب الخروج ينتعلونه إذا فقد أحدهم حذاءه!!». أما فكرة هذا الفصل من الكتاب فتعود لأخي الأستاذ عبدالله الصالح قارىء جريدة المدينة المثقف، الذي أفردت له أكثر من مرة، في زاويتي التي أكتبها يومياً في «المدينة» مساحة لطرح فكرته كمقال مستقل بذاته. **** بالطبع، ليس هذا الطفل وأمثاله هم ممن أعنيهم وأتناولهم هنا ممن يمسحون، أو يلمعون، بل ويلعقون أحذية الرؤساء، وهم ليسوا أيضاً ممن يُطلق عليهم ماسحو الجوخ أو المطبلون.. وإنما أقصد تلك الثُلَّة من المنتفعين التي تُحيط بالرئيس، عسكرياً كان أم مدنياً فتُثني على كل أعماله، وتُلمعها أمام الناس لتظهر بغير صورتها الأصلية.. فكما أن هناك أحذية تتسخ وتبلى مع الاستعمال، ستجد ماسحي أحذية، وأشخاصاً متخصصين في إصلاح ما يتلف منها.. فهناك أيضاً متخصصون في تلميع الرؤساء.. وهم من سنتحدث عنهم في المقال القادم. #نافذة: «وخير رفيق في الزمان... حذاءُ»!!