ثلاثة شخصيات يهودية لعبت دورًا كبيرًا في نشر مفاهيم الحركة الصهيونية؛ أولهم الدكتور تيودور هيرزل Dr. Theodor Herzl، والثانية البارون اليهودي إدموند دي روثشيلد Baron Edmond De Rothschild وثالثهم حاييم وايزمان Chaim Weizmann الذي أتينا على ذكره في الحلقة الماضية، والذي كان له دور بارز من خلال عمله في جامعة مانشستر البريطانية وتأثيره على السياسي آرثر بلفور Arthur Balfour، المحافظ، والذي كان وزيرًا للخارجية البريطانية في الحكومة الائتلافية برئاسة زعيم حزب الأحرار لويلد جورج David Lloyd George. وأدرك الثلاثة لعبة اللوبيهات داخل المجتمعات الغربية وخصوصًا من خلال وسائل الإعلام، وهو للأسف ما لم يتقنه العرب حتى اليوم. فنحن نجد مثلاً إنشاء منظمة اشتراكية داخل حزب العمّال قبل حوالي 90 عامًا تُدعى بالو زاين Paole Zoin ويحق لهذه المنظمة التي تعتبر جزءًا سياسيًا هامًا داخل حزب العمّال، بل ويحق لها أن ترشح نوابًا عن الحزب حسب مواصفاتها ومقاييسها، والتي تصب بداية في دعم الوجود اليهودي في الشتات وبعد ذلك في إنشاء الكيان الصهيوني. (انظر: مجلس النوّاب اليهودي Jewish Board Of Deputies، والمركز القومي للتمويل اليهودي Jewish National Fund). والعامل الأهم الذي ساهم في تغلغل الحركة الصهيونية داخل حزب العمّال خاصة هو وجود شخصيات سياسية بريطانية تعتقد بأيدلوجية الولاء المزدوج، وقد صرح أحدهم، وهو النائب والوزير في حكومة هارولد ويلسون الأولى Harold Wilson؛ ريتشارد كروسمان Richard Crossman ، عندما سأله أحد الباحثين عن أهم عمل قام به في حياته، فرد بقوله: هو خدمة الحركة الصهيونية». هذا الوجود الصهيوني اليهودي داخل المؤسسة العمالية أخّر اعتراف الحزب بحقوق الفلسطينيين، حتى نهاية السبعينيات الميلادية، عندما استطاع اليسار في الحزب الصعود إلى مراكز القرار، وكان زعيم الحزب آنذاك (1979م – 1983م) هو السياسي البارز مايكل فووت Michael Foot، والذي كان معجبًا بشخصية الرئيس العربي جمال عبدالناصر، ودعاه مرة في مقال له ب»بطله القومي»، في مقارنة برئيس الوزراء المحافظ أنتوني إيدن Anthony Eden الذي قاد العدوان الثلاثي ضد البلد العربي مصر، عندئذ تحرر حزب العمّال من السيطرة اليهودية واعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولكن صعود نجم رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر Margaret Thatcher عام 1979م كزعيمة لحزب المحافظين، أدى ذلك إلى احتضان حزب المحافظين للحركة الصهيونية، خصوصًا أن تاتشر كانت معجبة إلى حد الهوس بالديانة اليهودية، وجلبت عددًا من الوزراء المنتمين للجذور اليهودية وقلّدتهم مناصب هامة مثل المال والعمل والتعليم والداخلية، وكان ملهمها في ذلك نائبا سياسيا يدعى سير جيث جوزيف، فهو رائد النظرية الاقتصادية التي حملتها تاتشر في عقليتها وحاولت تطبيقها على أرض الواقع، ولعل في عمل تاتشر هذا الداعم للحركة الصهيونية هو رد على زعيم الحزب السابق سير إدورد هيث Edward Heath، والذي كان متحررًا، هو ووزير خارجيته سير دوقلاس هوم Alec Douglas-Home من النفوذ اليهودي، وكان لحكومة هيث دور معتدل وغير منحاز في حرب أكتوبر عام 1973م، ورفضت حكومة هيث وقتها أن تحط الطائرات الأمريكية في المطارات البريطانية للتزوّد بالوقود، كما حظرت الحكومة نفسها بيع السلاح للكيان الإسرائيلي؛ ولكن في عام 1974م شكك اليهودي جوزيف في قدرة هيث على زعامة الحزب، وبالتالي قدّم اليهود تاتشر زعيمة على الحزب، وكافأتهم بمنحهم أهم الوزارات في حكومتها، وكانت تفتخر بذلك. ما قامت به تريزا ماي Theresa May وحكومتها من الاحتفاء غير المبرر بمرور مئة عام على وعد بلفور Balfour Declaration يدل أن ماي تتبع خطى تاتشر، وتنأى بنفسها عن المصالح الخاصة والمشتركة بين العالم العربي والدولة البريطانية، وهذا ما سوف يُكلِّف ماي وحكومتها الكثير من التبعات غير المحمودة، إن آجلاً أو عاجلاً.