لم يفاجئني قرار رئيسة حكومة بريطانيا تيريزا ماي لما يسمى ب»الاحتفال بمئوية وعد آرثر بلفور»، فهي وسلفها ديفيد كاميرون انتهجا خط رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر التي كانت معجبة إلى حد كبير بالديانة اليهودية، وهي تذكر في مذكراتها أن اليهودية ليس فيها مكان لمتسول أو عاطل، وأنها تعتمد على ذاتية الفرد وجهده، بما يتناسب - من وجهة نظرها - مع الفكر الرأسمالي؛ بل إن صحيفة التايمز في الثمانينيات الميلادية خرجت بعنوان مثير مفاده أنه ربما تسعى تاتشر لتغيير ديانة الحكومة من المسيحية إلى اليهودية، مما سبب توترًا في العلاقة بين تاتشر وبين الكنيسة الإنجليكانية. وقامت تاتشر بزيارة خاصة لإسرائيل رغم أن مكتب الشؤون الخارجية قد حذرها من نتائج سيئة لتلك الزيارة، في مقدمتها تعريض المصالح العربية البريطانية للاهتزاز. وبالعودة إلى بدايات ما سمي بوعد بلفور فقد سبق للحركة الصهيونية أن قامت بتجنيد الناشط الصهيوني اليهودي حاييم وايزمان الذي كان يتلقى تعليمه في جامعة مانشستر ولتفوقه في الدراسة عزمت الجامعة على تكريمه،فردَّ ذلك طالبًا من الحكومة البريطانية إيجاد وطن قومي لليهود فوق أرض فلسطين العربية المسلمة، فكان همزة الوصل بينه وبين بلفور ورئيس تحرير مجلة «مانشستر قارديان» «سي. بي. سكوت C.P. Scott » الذي أعجب بذلك ومعه رئيس الوزراء آنذاك لويد جورج، حيث كانت هناك حكومة ائتلافية يرأسها لويد جورج هذا، ووزير خارجيته من حزب المحافظين آرثر بلفور، وقدمت الحكومة توصية بهذا المطلب وأسندت كتابة مسودة القرار لكل من وايزمان ورفيقه اليهودي الآخر روود روتشيلد وأقرت حكومة الحرب آنذاك المسودة التي كتبها كلا الرجلين المتعصبين لدينهما وللحركة الصهيوينة.. ونستطيع استنتاج قضية هامة وهي تنبه الحركة الصهيونية للدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام الغربية للترويج للفكر الصهيوني، كما بدا في العلاقة بين وايزمان ومستر سكوت محرر المانشستر قارديان آنذاك. وإذا كان المحافظون قد أخذوا على عاتقهم تنفيذ البدايات الأولى لأجندة الحركة الصهيونية؛ فإن حزب العمال عندما صعد إلى الحكم في أول حكومة ذات أغلبية عمالية جعل من أولوياته تنفيذ أجندة الحركة الصهيونية وقيام الكيان الصهيوني، وفي الوقت الذي تسعى فيه طائفة لا يستهان بها من نواب حزب العمال ومن بينهم ناشطون يهود في تغيير سياسة الحزب باتجاه الانفتاح على المطالب العربية والفلسطينية، كما هو الشأن في توجه رئيس الحزب الحالي المنتمي إلى يسار الحزب مما جعل كبير الحاخامات اليهود يتهم حزب العمال بالعداء للسامية، نجد أن المحافظين يسعون لاسترضاء حكومة الليكود، والغريب في الأمر والمثير فيه والذي يضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة، هو أن الاحتفال بالمئوية المشؤومة تم فوق أرض بريطانيا وليس في إسرائيل، في تحدٍّ صارخ للمشاعر العربية والمسلمة، مما يستوجب وقفة حازمة من قبل المنظمات العربية والإسلامية الموجودة في بريطانيا وخارجها للاحتجاج على هذه الخطوة التي تكشف مدى انحياز تيريزا ماي وحكومتها للكيان الصهيوني على حساب الدول العربية والإسلامية.