منذ انبثاق الحركة الصهيونية على يد منظرها الأول تيودور هرتزل: Herzl 1860- 1940، عمدت إلى ترسيخ فكرة الوطن عند جميع يهود العالم، وكان كتاب هيرتزل "الدولة اليهودية" هو البيان الأول لهذه الحركة التي يعتبرها المفكر والسياسي البريطاني- دينيس هييلي Healey مزيجًا من الامبريالية الاستعمارية والقومية، وأكد هيرتزل على هذا المفهوم، واُعتبِرَ أساسا للمؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة بازل Basle السويسرية في عام 1897م، وتعرضت فكرة الوطن القومي اليهودي لمعارضة شديدة من بعض المتدينين اليهود الذين يعتبرون اليهودية دينًا وليس وطنًا، وبعد عقدين من الزمن برز المؤسس الثاني للوطن اليهودي، وهو حاييم وايزمان Wiezmann الذي نزح من روسيا إلى بريطانيا في 1904م، واستطاع من خلال اتصال له بصحيفة مانشستر جارديان أن يتسلل إلى المؤسسة السياسية البريطانية حيث تعرّف على رئيس الوزراء البريطاني - ديفيد جورج، ووزير خارجيته لورد بلفور من حزب المحافظين - في الحكومة الائتلافية الشبيهة اليوم بتحالف كميرون وكليغ، وصدر القرار البريطاني المشؤوم - وعد بلفور - في 2 نوفمبر 1917م - أي قبل حوالى قرن من الزمن - بإنشاء وطن قومي لليهود، ومازالت الحركة الصهيونية بشقيها الديني والعلماني تؤكد على مفهوم المواطنة، وأفلحت بداية بتضامن جميع تياراتها ثم بالدعم الغربي، سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا أن تسوّق سياستها مع أنها سارقة لأرض فلسطين وأقامت كيانها على حساب الشعب الفلسطيني. * اليوم تتسلل في العالم العربي والإسلامي - وخصوصًا بعد صعود تيارات الإسلام السياسي، فكرة إلغاء الولاء للوطن واستبداله بالولاء للمرجعية الأيدولوجية، بل عندما تنطق بعبارة الولاء للوطن أو حب الوطن تجد بعض المنتسبين لهذه التيارات والحاملين لأفكارها المتشددة والخطيرة، تجدهم ينظرون إليك بريبة وشك ويُخشى في ظل الانقسام الفلسطيني وحدوث تغييرات في خارطة الشرق الأوسط أن يسطو البعض على فكرة الوطن ويستبدلها بأفكار أخرى ويكون الرابح الوحيد في ظل هذه الفوضى الفكرية هو الكيان الصهيوني الغاصب الذي أثبتت الأحداث مع تاريخه الدموي والإرهابي أنه يجيد قراءة المستقبل أكثر من غيره، كما أنه أكثر قدرة على تنظيم صفوفه وقد ضربتُ في السابق أمثلةً على ذلك وكيف استطاع أقصى اليمين - في إسرائيل - أن يشترك في حكومات ائتلافية مع حزب العمال الذي بدأت شعبيته في التآكل منذ حرب أكتوبر 1973م.