** تعتبر كتابة المذكرات فنًّا من الفنون التي يتسابق الساسة، والأدباء، والفنانون في الغرب لإبرازها لعامة الناس، وخصوصًا عندما تعتزل هذه الشخصيات الحياة العامة، وتخلد لحياة هادئة بعيدة عن صخب الإعلام وضجيجه ومؤثراته. ** ويحتل الشرق الأوسط حيّزًا هامًّا في بعض مذكرات تلك الشخصيات، وخصوصًا السياسية منها، فهناك مذكرات الصحافي والوزير العمالي في حكومة ويلسون 1964-1970م (ريتشارد كروسمان)، والتي أخرجتها زوجته “آن” Anne بعد رحيله سنة 1975م، وفيها وصف دقيق لحرب الأيام الستة في عام 1967م، وتوضح مدى ولاء “ويلسون” وحكومته للحركة الصهيونية. ** وإذا كانت مذكرات مارجريت تاتشر بجزءيها (الطريق إلى السلطة)، و(سنين دواننغ ستريت) توضح هي الأخرى الموقف المنحاز إلى الكيان الصهيوني أثناء حرب 1973م، عندما كان الحزب بزعامة إدوارد هيث في المعارضة، فإن مذكرات غريمها (هيث) والتي تحمل اسم The course of myliefe. ** مذكرات رئيس الوزراء البريطاني (هيث) تعتبر وثيقة هامة في الكشف عن أحداث العدوان الثلاثي 1956م، لقد كان (هيث) عندئذٍ يشغل منصب ضابط الاتصال في حزب المحافظين الحاكم، وكان أول مسؤول في تلك الحكومة يعترف صراحة بوجود حلف ثلاثي عسكري، يضم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وكان (أنتوني إيدن) رئيس الوزراء -آنذاك- ينكر وجود مثل هذا البرتوكول الذي عرف باسم SEVRES PROTOCOL، بينما اعترف (موشي ديان) في مذكراته بوجوده، كما أقر الفرنسيون بذلك. ** كما تكشف هذه المذكرات الموقف المعتدل والحيادي الذي اتّخذته حكومة هيث من حرب أكتوبر 1973م، وفرضها حظرًا على بيع الإسرائيليين للسلاح، وعدم السماح للطائرات الأمريكية التي تحمل -آنذاك- سلاحًا متقدمًا لإسرائيل بالتزوّد بالوقود في المطارات البريطانية، وتنشغل الصحافة البريطانية، وأخيرًا بصدور الطبعة الأولى من مذكرات توني بلير والتي تحمل اسم (رحلة)، والمؤلّفة من 736 صفحة، ويحتل الشأن العراقي فيها ما يقرب من مئة صفحة، إلاّ أن خلفه (جوردن براون) سوف يبدأ سلسلة من المحاضرات، يقدر دخل الواحدة منها ب64 ألف جنيه إسترليني، كما أن حليف بلير القوي، واليهودي الأصل (بيتر ماندلسون) أصدر مذكراته بعنوان (الرجل الثالث)، فأيّ من الثلاثة يُصدّق القارئ؟