بمناسبة انعقاد معرض (كن داعياً) السادس الذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد خلال الفترة من 7-5 إلى 17-5- 1426ه، الذي يقام هذا العام بمدينة أبها بمنطقة عسير لهو تجربة فريدة وأعمال جديدة لتفعيل العمل الدعوي على كافة المستويات وكل الطبقات، وكذا تسليط الضوء على وسائل العمل الدعوي ولاسيما الجديدة منها والإيضاح والبيان للجميع أن كل إنسان من الممكن أن يقدم ما يستطيع لخدمة دينه ووطنه ويبذل جهده وطاقته لبذل الدعوة إلى دين الله وهداية الناس إلى الطريق المستقيم.. فكل شخص من ذكر أو أنثى مهما اختلفت طبقته أو تنوعت لهجته أو تعددت وسائل معارفه بإمكانه أن يبذل للدعوة ما يستطيع من جهد أو رأي أو مال أو مشاركة مهما كثرت أو قلت، ولذلك قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم) وإن كان من كلمة شكر ولفتة ثناء وعاطر الوفاء هي لهذه الحكومة الراشدة المباركة التي قامت على التوحيد والدعوة إلى الله على منهاج النبوة، فأفلحت ونجحت وبوركت فشمل خيرها القاصي والداني وعم نفعها مشارق الأرض ومغاربها، فهدى الله بها جموعا غفيرة من الناس وأسلم بسببها الالاف من الأمم. فلئن وجدت من خيرات هذا البلد الكريم منبراً للهداية ومشعلا للخير في استراليا، فإنك تجد له مثيلاً في الأرجنتين و تجد مركزا إسلاميا في مجاهل إفريقيا أو مجمعا مدرسياً في أوربا.. أو لعلك يوما مررت بأحد الجوامع النيرة في موسكو والبرازيل أو أمريكا وهي مع هذا ساعدت وساندت وهيأت كثيراً من الجامعات والمدارس والمساجد في الدول العربية، فلا تذهب إلى بلد أو محل في مطار إلا سمعت من يلهج بالثناء وعاطر الدعاء لهذه الحكومة الراشدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - وألبسه ثوب الصحة والعافية، وكذا ولي عهده الأمين والنائب الثاني، كما أنها في الداخل لم تألُ جهدا في الاهتمام بالدعوة والدعاة فأنشأت وزارة حكومية كاملة من ضمن اهتمامها الدعوة والإرشاد ألا وهي وزارة الشؤون الإسلامية التي يقف على رأسها ويشرف على برامجها الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - الذي يقف مهتما وحريصاً على نجاح مثل هذه المعارض المفيدة والمؤثرة. نصيحة للدعاة لئن كانت الجملة المختارة المعنون بها كل معرض من معارض الشؤون الإسلامية المقام في عدة مناطق وهي (كن داعياً) من الجمال بمكان ومن التأثير الواضح على كافة شرائح المجتمع، فإنها موجهة في المقام الأول إلى الدعاة وطلاب العلم والمهتمين بالدعوة. فإن هدف كل داعية إذا صلحت نيته وصدق توجهه هو هدف الرسل - عليهم الصلاة والسلام - لا يهدف إلى مجد شخصي أو ثراء اجتماعي أو وجاهة لدى الناس، إنما يهدف إلى بيان الحق للخلق ودعوتهم إليه والحرص عليهم من الزيغ والضلال والمعاصي والشفقة عليهم والرحمة بهم من أن تنحرف بهم الأقدام أو تزل بهم الأفهام عن الصراط المستقيم، ولذلك فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لما دعا كافراً فأسلم فخرج فرحاً يقول (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).. فليحرص الدعاة على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الكفر والبدع والفسوق والعصيان إلى أنوار الإيمان والاتباع والطاعة والاستقامة، ومن ظلمات الفرقة والانقياد إلى دين الله، هذا هو المقصود من دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليكن هو مقصود كل داعية وعالم وطالب علم ولن يتحقق هذا المقصود، ولن تكتمل كل الأهداف إلا اذا كان الداعية منطلقاً من أربعة أمور وهي: الأول: الإخلاص لله - عز وجل - في الدعوة فليس المقصود من الدعوة إلا وجه الله تعالى إذ هي عبادة فكان الإخلاص هو شرطها الأول، إذ إن الداعية يدعو الى الله تعالى لا يدعو لشخصه أو جماعته أو قبيلته، إنما مقصوده هداية الخلق إلى الحق. الثاني: أن يسلك الداعي في دعوته سبيل الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - إذ لا سبيل أهدى ولا أقوم ولا أصلح ولا أسلم من سبيل المرسلين وعلى رأسهم نبينا وقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فسيرته نموذج يحتذى ودعوته قدوة تقتدى وصبره وجهاده وحرصه وتفانيه أمور في غاية الروعة والمثال. الثالث: أن يكون الداعي متسلحاً في سبيل دعوته بالعلم والبصيرة، محصناً بالحكمة مرتدياً ثوب الموعظة الحسنة منطلقاً بكل قوة وثبات بحجة وبرهان، فلا دعوة بلا علم ولا هداية بلا بصيرة ولا قبول بلا حكمة ولا قناعة بلا موعظة حسنة، فالعلم شرط أساس من شروط قيام الداعي بدعوته يقول ربنا تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}يقول الإمام العلامة ابن كثير - رحمه الله - في شرح هذه الآية، يقول تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى الثقلين الجن والإنس أمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيله أي طريقته ومسلكه وسننه وهي الدعوة إلى شهادة أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي أ. ه. الرابع: أن يقصد الداعي من دعوته هداية الناس واستقامتهم على شرع الله لا يكون مقصده مغالبة الناس أو الظهور على المخالفين له أو النيل منهم أو الانتصار لنفسه ومكانته، وليحرص كل الحرص على تحرير مقصود الدعوة وتجريد النية فيه في كل وقت وحين وأن يراجع نفسه ويوطن قلبه على قبول الحق وعدم الاستكبار والعناد. أخوتي الدعاة وفقنا الله وإياكم إلى كل خير وهدى وصلاح، صححوا نياتكم لله تعالى وجردوا أنفسكم لقبول الحق وانطلقوا في دعوتكم مقتدين بالنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو القدوة الحسنة والأسوة المثلى، وتسلحوا بالعلم الشرعي المبني على التأصيل والدليل إذ لا دعوة إلا بعلم وفهم، فكم جنى قليل العلم وفاقد الهدى على الدعوة والدعاة، ثم تزينوا بالحلم واللين والرفق فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، فالرفق واللين تنجحوا وتفلحوا في دعوتكم وتبلغوا مقصودكم وتناولوا مرادكم.. ثم تجردوا للحق وقبول العلم النافع فلا تأخذكم عصبية أو حزبية على قبول الحق أو تردكم عن سماعه والحرص عليه إذ الإنسان العاقل الحق مقصده، والخير مطلبه، والهدى دليله والكتابة والسنة برهانه وحجته. ختاماً اشكر الله تعالى على ما منَّ به علينا من حكومة راشدة وولاية صالحة قامت على الدعوة للتوحيد والسنة وقمع الشرك والبدعة، وما زالت على ذلك المنهج حتى يومنا هذا متمسكة به وداعية إليه ومتجردة من حظوظ النفس وشهوات الدنيا، قامت الدولة المباركة عليه فتعاقب الأمراء والملوك جيلا بعد جيلاً وزمنا بعد زمن حتى هذا الزمن المبارك برعاية خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - لكل خير الذي بلغت أعماله الآفاق وشمل خيره الداخل والخارج فكم من مركز إسلامي أسس باسمه وكم من مسجد دعمه بماله وكم من ملتقى أو مؤتمر لقي اهتمامه وكم من جامعة أو معهد نال حرصه وجهده.. بارك الله في جهوده وجهود اخوانه وأعوانه وأصلح له النية والذرية ووفقه إلى كل خير وهدى وصلاح. كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ على حرصه وبذل وقته وصرف اهتمامه إلى مثل هذه المعارض والملتقيات ففيها من الخير شيء كثير من تبادل الخبرات والاستفادة من الدعاة ووسائل الدعوة الحديثة وتحصين المجتمع المسلم من الانحرافات الفكرية أو السلوكية والتحذير من الأفكار الشاذة والخروج عن جماعة المسلمين وأمامهم. وفق الله الجميع لمحبته ومرضاته وهيأ للجميع أسباب السعادة في الدنيا والآخرة. وحمى بلادنا من كل سوء ورد كيد المعتدين في نحورهم ونشر الأمن والإيمان في بلادنا وبلاد المسلمين جميعا.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.