الحمد لله رضي لنا الإسلام دينا وهدانا إليه صراطاً مستقيماً ، وأوضح لنا على عظمته ، الدلالة برهاناً مبينا ، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً ، فيه اهتدى المهتدون ، وإليه دعا الأنبياء والمرسلون (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون). والصلاة والسلام على خير من دعا إلى الهداية إمامنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله سيد المرسلين وإمام النبيين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغُرِّ الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان من أئمة الخير الهداة المهتدين ، أما بعد. -فلا شك أن الحديث عن الهداية أمر له مكانته وأهميته ، فهي قاعدة كبرى وركيزة عظمى في حياة المسلمين ، هي مركز التعليم والتوجيه لما ينفع الناس في الدنيا والآخرة ومدرسة لتقويم سلوك الإنسان وتقويم إرادته ودفعه إلى الاستقامة والخير ، وروّادها وأبناؤها أهل العلم ، وأهل العلم هم أولى الناس بالإمامة في الدين ويكفيها شرفاً وفضلاً أن المسلم يدعو الله بها في كل صلاة " اهدنا الصراط المستقيم ". -وميدانها الأول البيت والأسرة وبيوت الله ومساجده ، فالمسجد عبر القرون والأجيال مصدر إشعاع علمي وثقافي ومقر للدعوة إلى الله على مر العصور والأيام ، لم تختصر مهمته في اتخاذه مقراً للعبادة بل كان ولا يزال معقلاً من معاقل الهداية والتوجيه واتخاذ القرار في كل أمور الحياة. وخير مقام قمت فيه *** وحلية تحليتها ذكر الإله بمسجد -ولكي تُفَعّل الهداية بحق وليقوم المسجد برسالته السامية كما أمر الله وشرع يلزم فائق العناية ومزيد الجهد في إعداد النماذج الطيبة من الدعاة المخلصين والذين يحملون كفاءات علمية وفكرية وخلقية. -ويحملون لواء الدعوة إلى الله بكل ما تحمل الكلمة من معنى وأن يؤدوا هذه الأمانة بكل الصدق والإخلاص ، رائدهم في هذا تحقيق قول الله تبارك وتعالى فيهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) الآية 110 آل عمران. -وهنا لابد من التذكير أن الداعية والذي اتخذ الهداية إلى الله طريقاً ومقصداً لا يكون ناصحاً موفقاً ومسدداً في دعوته إلا بالإخلاص في عمله لله وحده ومتابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول ويُفَعّل وأن يلتزم بالصفات التي تجعله مستقيماً في دعوته معتدلاً في تصرفاته لا إفراط ولا تفريط وأن يؤسس لمقومات الدعوة في فكره وشخصه ليدرك النجاح في رسالته ويفوز برضا ربه وتوفيقه. واعلم بأن الأجر ليس بحاصل *** إلا إذا كانت له صفتان لابد من إخلاصه وصفائه *** ونقائه من سائر الأدران وباختصار وبما يناسب هذا المجال وتخفيفاً على هذا الاصدار المبارك ، يسرني أن ألخص هذه المعالم المهمة بما يأتي : التضلع من العلم النافع فهو من مقومات الحكمة ولهذا أمر الله به أولاً قبل القول والعمل ، قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) وقال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) أخرجه الشيخان من حديث معاوية رضي الله عنه. ففز بعلم تحيا به أبداً *** الناس موتى وأهل العلم أحياء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء والعلم النافع هو ما قام عليه الدليل وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لذا يلزم أن يكون الداعية على بَيّنة في كل ما يدعو اليه ، قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) 108 يوسف ، وتظهر صلاحية العلم ونفعه وتمامه بالعمل فعلم بلا عمل حُجّة على صاحبه فيه صلاح للباطن والمخبر وحسن في المنظر والمظهر. ومما يلزم الداعية الذي يأمل الهداية أن يلتزم الحكمة وهي إصابة الحق بالعلم والعقل فهي تمنع صاحبها من الوقوع في الغضب ويرى بعض العلماء أنها قبس من النبوة ومن هنا كان الهدي القرآني في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) 125 سورة النحل ، والالتزام بالحكمة في الدعوة تجعل الداعي يُقَّدر الأمور قدرها فيتيسر له تقدير أحوال الناس وظروفهم وأخلاقهم وطباعهم. يضاف إلى ذلك التحلي بالشمائل الكريمة والأخلاق القويمة من الحلم وضبط النفس والعفو وغير ذلك من جميل صفات المسلم والسعي في جمع كلمة المسلمين ووحدة الأمة والحذر من الانقسام والتفرق والخلاف والتشرذم وأن يعيش همهم والدفاع عن قضاياهم هذه المعالم متى ما توفرت عَدّلَت اتجاه الداعية وقومت اعوجاجه فيضحى مستقيماً وسطياً معتدلاً منضبطاً حكيماً في كل أموره ناجحاً في دعوته مسدداً بإذن الله كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ، ناهيك إذا أضيف إليها الصبر واللين والأخذ بالأيسر (فبما رحمة من الله لنت لهم) 109 آل عمران ، والإخلاص وصدق النية وأن يريد التقرب بعمله إلى الله ، لا رياء ولا سمعة ولا غلو ولا جفاء ، فلا يُقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) 110 الكهف ، تلك أهم المعالم في طريق الهداية التي يجب على المسلم العناية بها. وفي ختام هذه الإلماحة الموجزة عن أهم معالم الهداية ، يسرني أن ازجي عاطر التقدير ووافر التهنئة على هذا الإصدار الجديد المتميز (الهداية) وهو من موطنه ومأرزه ، والخير من موطنه لا يستغرب في رحاب رابطة العالم الإسلامي وفي مقدمتها معالي الأمين العام أ. د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي ، وعميد معهد الأئمة والخطباء الأخ الدكتور/ حسن الحجاجي ، وزملائه العاملين في هذا الصرح العلمي المتألق ، وأرجو للقائمين عليه كل التوفيق والتسديد وأن يدركوا به الغرض الأسمى من تحريره وأن يكون مدرسة لتخريج الدعاة المخلصين النابهين وذلك في ظل ولاة أمورنا المخلصين ، وأن يثيب راعي مقدرات هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على عظم أعماله في كل مناحي الخير ، وعلى رعايته كل ما من شأنه مصلحة الإسلام والمسلمين وأن يجازيه خير الجزاء وأن يوفق الجميع لسلوك معالم الهداية وأن يجمع قلوب الأمة عليها في ضوء الكتاب والسنة ونهج سلف هذه الأمة إنه جواد كريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ________________ الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس