في صبيحة يوم الثلاثاء 5/11/1423ه انتقل إلى رحمة الله جدي لأمي الشيخ محمد بن عبدالله بن تركي الطاسان.. الذي استمر إماماً وخطيباً لجامع السحابين بالخبراء بمنطقة القصيم ثنتين وخمسين سنة، ودرّس في مدرستها الابتدائية ستا وثلاثين سنة وكان صاحب علم وخير وقيام بحوائج الناس، فكان يكتب للناس في زمن قل فيه الكاتبون وعمل مأذوناً شرعياً مدة من الزمن.. فإلى روحه الطاهرة أهدي هذه الكلمات. حينما يكتب الإنسان مشاعره بمداد الدموع على الثرى الطاهر، فترويه وينبت من ثراها نبت الوفاء، الوفاء لمن أحببته وأحبه قبلي ومعي وبعدي الآلاف. أحبوه لصلاحه وعلمه، لورعه وتقواه هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، تعلَّم فعلَّم، وحفظ فبَلَّغ، وأدرك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام «خير الناس أنفعهم للناس» أو كما قال صلى الله عليه وسلم فعمل بمقتضاه فكان شمعة تحترق لتضيء ظلام الدنيا من جهل دامس وأمية تلاشت ولله الحمد، فلله درك يا جدي، نعم فقدناك وفقدك قبلنا ذلك المحراب الذي تعوَّد على وقفتك فيه، فقدتك خشبات منبر طالما حملتك على أكتافها جمعة جمعة وعيداً عيداً، فقدتك العجائز والنساء قبل الشيب والشبان، فقدتك قاعة علم ألقيت فيها من العلم دروساً، آلاف قد سمعوا خطبك، وآلاف صلوا خلفك، وآلاف نهلوا من علمك ونصحك، فقدوك فخرجوا يبحثون عنك، فجعوا ولكن رضوا بقضاء الله وقدره، أقعدك المرض ثلاث سنين فلم يهدأ لمحبيك بال، فقد تواصلت زياراتهم ورفعوا إلى الله ابتهالاتهم داعين لك بالشفاء وقد كانت دموعهم تسبق حروفهم، لم ينسك أحد من محبيك، وهل لك مبغض؟ تكدر الجميع وأصابهم الذهول حينما اختارك الله إلى جواره، ولكن وكما يرضى المؤمن بقضاء الله وقدره فقد صبروا ورضوا، خرج الجميع مودعين لك، خرجوا زرافات ووحداناً، صلَّى عليك الصبيان قبل آبائهم، وبكتك العجائز في دورهن، خرج الجميع إلى المقبرة خاشعين مبتهلين، فكان المنظر مهيباً، وكان الجمع غفيراً، فمن باكٍ إلى مبتهل، إلى خاشع، وإلى صابر، إلى مُصَبِّر، لم يفقدك عبدالله وحده، بل فقدك عباد الله أجمع، اللهم وسِّع له في قبره، واغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك. ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وختاماً اصبري يا والدتي العزيزة.