إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون. إنجازات جدي وخدمته لدينه ووطنه ليس مثلي من يكتب عنها فقد سطرها التاريخ وعرفها أهل مكة خاصة وغيرهم عامة، لكنني أحدثكم اليوم عن معالي الدكتور حامد هرساني الجد، بالنسبة لي هو ليس الوزير، ولا شيخ المطوفين، ولا الطبيب الحاذق، إنما هو الجد الحنون، والمربي المشفق الذي لم تر عيني مثله (رحمه الله). عظمة جدي (رحمه الله) لم تنحصر فيما علمه عنه عامة الناس، بل كانت له عظمة من نوع آخر لم يرها إلا الخاصة من أهله في بيته وتحت كنفه، فقد كان نعم المربي، لم أره إلا مشجعا لنا على كل خير، فكان دوما يقول لي وأنا طفل صغير: «أنت سرقت اسمي»، ملوحا بذلك على أهمية حفظ سمعة هذا الاسم، فكان هذا الأمر يشجعني على الاقتداء به، فأحببت الصلاة لأنني كنت أراه حريصا عليها، فلما رأى مني حرصا زاد في تشجيعي، فكان يأمرني بإقامة الصلاة له، ثم لما كبرت أكثر كان يقدمني على نفسه لأكون إماما له، فكان لهذا الأثر البالغ في ربط قلبي بالصلاة أكثر وأكثر. ثم مضت بي الأعوام حتى بدأت رحلتي الخارجية الشاقة للدراسة، فكان كثير الاتصال بي، يسأل عن كل صغيرة وكبيرة من أمور دراستي، ويصبرني على مرارة الغربة بذكر العاقبة الحسنة التي ينالها الإنسان من العلم والصبر عليه، ويذكر لي قصصه التي مر بها أيام دراسته فتسليني وتشجعني على المزيد من الاهتمام بالدراسة. ثم إنه كان حنونا علينا جدا، أتذكر موقفا معه بعد تخرجي من المدرسة، فقد كنت في ذلك الصيف وحيدا في جدة لأنجز بعض الأمور، فرآني جدي فأشفق علي فقرر أن يأخذني برحلة إلى أبها للاستجمام، مع كبر سنه أنذاك، فذهبت معه فكان نعم الرفيق في السفر، يتحامل على شيخوخته التي لم يستسلم لها إلا قهرا في آخر حياته، ويجاهد نفسه حتى تكون الرحلة على أجمل وأتم ما يكون، بتواضع جم، وكرم بالغ. فعلمني أن السفر داخل ربوع الوطن فيه متعة وأنس، مع أنه كان بإمكانه أن يسفرني إلى الخارج، لكنه أبى إلا أن يعلمني عن بلدي. وأخيرا، إليكم قصتي معه في المدينةالمنورة، فقد كان (رحمه الله) يحب أن أتصل عليه يوميا بعد صلاة العشاء من المسجد النبوي الشريف عندما كنت أسكن في المدينةالمنورة، وكان في تلك الأيام مقعدا ومريضا تصعب عليه الحركة، فما إن أتصل عليه حتى تنكسر حدة صوته، ويبكي شوقا للمدينة المنورة، ويوصيني بالدعاء له، حتى رزقه الله سبحانه زيارة للمدينة المنورة في الصيف الماضي برغم كل الظروف التي تعيقه عن ذلك، فزار المدينة ورزقه الله نشاطا عجيبا فصلى في الحرم مرارا وتكرارا حتى استكان قلبه وارتاح (رحمه الله). هذه بعض القبسات اليسيرة عن جدي حامد، ترك سيرة حميدة، وأعمالا صالحة، وذرية تدعو له بإذن الله في كل وقت، رحمك الله يا جدي وجمعنا و إياك في جنات النعيم. حامد بن محمد بن حامد الهرساني