ترددتُ كيف أرثي مثلك، ولستُ بكاتب.. لكنّ محبتك تغلّبت على قلمي، وباحت بما لك عليَّ من فضل. فلحظات مرّت كسنوات.. تلك اللحظات التي تهافت فيها الآلاف على المستشفى للاطمئنان عليك، واحتشد كل مَن عرفتهم، ومَن لا تعرفهم، جمعتهم محبتك لسماع خبر أنك بخير، وأنك عائد لمحبيك.. إلاّ أن إرادة المولى في علاه سبقت كل الأمنيات، وانتقلت روحك الطاهرة إلى بارئها في أحب الأيام إليه، وبأحب الأعمال إليه! وبدأت تتسارع الدموع في خليط من الحضور الكبير والصغير، الثري والفقير، الأبيض والأسود، المواطن والمقيم، مؤيدوك ومعارضوك، وكأننا في مشعر عرفات، جمعتهم محبتك، واحترام إخلاصك، وإنسانيتك. فأنت الإنسان الذي مسحت دمعة الحزين والأرملة والمسكين.. أنت الإنسان الذي شهد لك معارضوك بإخلاصك ووطنيتك قبل محبيك.. أنت الإنسان الذي أحببت مكة، ووهبت نفسك للدفاع عنها، وعن أهلها استشعارًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «والله إنكِ لأحب بلاد الله إلى الله» بعد وفاة جدي صالح جمال -رحمة الله عليه- في شهر ذي القعدة 1411ه كنت أنت الوالد السبّاق لنا في كل ما أهمّنا، بدعمك، ومساندتك، ووقوفك معنا في كثير من شؤوننا، فبعد وفاة جدّي مررت ببعض الظروف في الجامعة، وكدت أن أتركها لعدم حضور الاختبارات النهائية؛ ففوجئت بطلب من وكيل الجامعة لمقابلتي، وأخبرني بأن الدكتور محمد عبده يماني اتّصل به وقال له: هذا ابننا، وطلب مراعاة ظروفي، وإعادة الاختبارات.. وقد كان، وحتى هذه اللحظة لا أعرف كيف عرفت بهذا الأمر؟!. علّمَتنا قبل أن تُعلّم أبناءنا كيف نحب سيد البشر «بأبي أنت وأمي يارسول الله»، وعلّمَتنا كيف نحب آل البيت «إنها فاطمة الزهراء»، و«علّموا أولادكم محبة آل بيت النبي» وغيرها من المؤلفات التي ستبقى تذكرنا بك، وبمن أحببت! تعلّمت منك أن الحب هو مركب الوصال بين العبد والرب، ومن الأدعية التي لازمتني حتى اليوم دعوة سمعتها منك، عندما قابلتك في إحدى مرات غسيل الكعبة، وأنت تدعو «دخيلك ياربي اجبر خاطري». وقد كان.. فقد جبر الله خاطرك بمحبته سبحانه وتعالى، ولا نزكي أحدًا على الله، إن الوفاة تُغيّب مَن لم يكن له أثر، أمّا أنت فبمحبتك وُلدت من جديد.. فالولادة اكتشاف جديد، والكثير اكتشف يوم وفاتك كم هم يحبونك، وكم أثرت في حياتهم، والأهم أنهم اكتشفوا أن قضاء حوائج الناس من العبادات المنسية التي أحييتها أنت، ومن مثلك من الرجال! وعزاؤنا فيك أن أعمالك وأفكارك ستبقى بيننا، وأثرك سيبقى فينا، وفي أبنائنا، ومحبتك، ستتواصل مع أبنائك جعلهم الله على خُطاك، وأنزل عليهم الصبر والسلوان على فراقك. فهنيئًا لك المحبة، فقد كنت من أحب الناس إلى الله، وتداوم على أحب الأعمال إلى الله، وارتحلت إليه في أحب الأيام إليه، ودفنت في أحب البقاع إليه. نسأل الله الجواد الكريم أن يجبر خاطرك فيه! أيمن طارق صالح جمال - مكة المكرمة