تتكون الاتجاهات السلوكية من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تضطلع بها مع الأسرة أجهزة الإعلام بصورها شتى، وإزاء ذلك لا يمكننا أن ندين الأسرة وحدها إذا خرج أحد أفرادها عن خط السواء. ومن مسببات هذا التوجه غير السوي ما تبثه أجهزة الإعلام من فكر وثقافة هادمة للقيم الأخلاقية التي يحض عليها ديننا الحنيف ونهجه القويم. وفي قناعة رجال وخبراء علم النفس أن التنشئة الاجتماعية لم تكن قاصرة على الأسرة وحدها، ولم تعد هي داعمة لسلوكيات الإنسان في أساسيات التعاون وفاعلية التواصل وموجهة للعلاقات في سوائها وصحتها النفسية. ولذا فإن التنشئة الاجتماعية، وهي عملية مستمرة، ينهض بها مع الأسرة انساق اجتماعية وثقافية أخرى وعن طريقها يتم اكتساب قيم التفاعل، والمعتقدات والمثل العليا السائدة في البيئة التي يعايشها وينتمي إليها ويستدمج في داخل ثقافتها التي تحدد مبادئ التفاعل الإنساني والعيش والتفاعل مع الآخرين ومع مكونات البيئة، فالبيئة الطبيعية والنسق التعليمي والثقافي يشتركون جميعا في تحمل مسؤولية تكوين شخصية الإنسان، وتشكل جميعها الوسط والمناخ الذي ينمو فيه ذلك الإنسان، ومن خلاله يتبادل فيه العلاقات والتواصل ويستدمج في داخله ما هو سائد في هذه البيئة من معارف ومعتقدات وفنون وقواعد أخلاقية ونظم وعادات وغيرها من وسائل الإسهام في إحداث تغيير إيجابي في الواقع المعاش سواء كان أفكاراً تحتاج إلى تفسير أو أنها مبادئ للممارسة والتطبيق. والواقع يؤكد ان ثمة تفعيلاً للثقافة والمعرفة تفعيلاً نستشعره في محاولات الزهو بثقافة الآخر، ومن ثم استعارتها واستهلاكها فإنْ كان قد تحول لفيف من الشباب بفكرهم أو اتجاهاتهم أو سلوكهم لمبادئ وأفكار الآخر الذي ينعت بالمتقدم، الذي امتد تأثيره في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والأفكار وأساليب الحياة والأخلاق والقيم، فرجع ذلك على مؤسسات الدولة التي لا شك في انها قد اعتراها قدر من التغيير في بنائها المادي ومعتقداتها الفكرية وذلك نتيجة انتشار عناصر ومبادئ ومكونات ثقافة الآخر. في ذات الوقت لم يقابل ذلك التغير، تغير مماثل في القيم والمعايير الاجتماعية التي ما زال أغلبها يعتريه الجمود الناتج من الخوف من عملية التفسير بل التصدي له ومقاومته وانعكاس ذلك في تصلب أو تميع أساليب التنشئة الاجتماعية، مما دفع بالإحساس بعدم إشباع الحاجات العضوية والنفسية والاجتماعية وآلية التناسق بين حضارة الإنسانية الأخلاقية، وحضارة العلم خاصة في ظلال العولمة وما تفرضه من مبادئ أيديولوجية تكرس منهجية التطور والتواصل، وتهيئة الظروف التي عن طريقها يتم التمازج الثقافي والتوافق مع لغة العلم السائدة عند الآخر والتوجه نحو الاستغناء عن تطور التكنولوجيا وتقنيات الإنتاج العلمي المتطور. وبناء على ما ثبت من مخرجات العولمة فيتوجب إزاء ذلك العمل على إعادة النظر من قبل المؤسسات الاجتماعية بالدولة في أساليب التنشئة الاجتماعية، والتأكيد على عوامل التغيير وذلك بالاعتماد على محاور أساسية بدءاً من مكانة رب الأسرة ودوره في تربية أعضاء الأسرة وتثقيفهم وتقويمهم، والتغير من كونه رمزاً للسلطة القاهرة المستبدة، وتخويف الأبناء إلى كونه رمزاً للثقة المتبادلة، وغرس مقومات وأركان الحب المتبادل والعطف والحنان والتكافل، فضلاً عن دور الأم وتدريبها على أساليب التربية المتوافقة وتزويدها بإمكانات التفاعل السوي مع أفراد الأسرة، وإشباع حاجاتهم للإحساس بالعطف والحب والتقدير، وتدريبهم على تحمل المسؤولية في حدود إمكاناتهم وقدراتهم، وحثهم على حب المعرفة وامتلاك النظرة النقدية، واكتساب مهارات التفسير والتحلي والنأي عن دوائر التخويف وأساليب العقاب البدني الذي يفقدهم الثقة بالنفس كما يفقدهم مقومات الجسارة والإقدام والابتكار، وعدم اللجوء إلى إمكانات استخدام محفزات النمو العقلي والاجتماعي. ولقد بات مؤكدا، أن آليات العولمة لها أثر في السلوك الإنساني، ومن هذه الآليات ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، وعالمية الإنتاج مما أدى إلى بطالة قوى العمل، وعدم القدرة على مواجهة الشركات العملاقة متعددة الجنسيات فضلا عن الاستثمارات الأجنبية في بلادنا، فضلا عن الاستسلام لقيم العولمة التي تتمثل في «الديمقراطية»، و«الليبرالية السياسية»، و«حرية السوق»، و«الدعوة لحقوق الإنسان». وما زالت هذه القيم محل التفسير والتحليل لعوائدها، والمؤشرات المبدئية تثبت أن العولمة لها تأثيرها الفاعل في سلوك الإنسان. هذه الآثار السلبية يجب التصدي لها من خلال الرعاية الأسرية، وتدريب الوالدين على أساليب التربية المتوافقة وأسس التفاعل الإيجابي مع الأبناء والعمل على إشباع حاجاتهم وتشربهم الحب والعطف والتقدير، والتعود على تحمل المسؤولية تجاه أساليب التنشئة الاجتماعية وتمكين الأبناء للتوافق مع تحديات قرن جديد محاط بزخم من المتغيرات، ومورثات على الأصعدة كافة، ولذا فإن مؤسسات التنشئة الاجتماعية يجب أن يكون محتماً عليها تنمية الإنسان عن طريق الاستبصار بالذات والاكتشاف المبكر لما لدى الإنسان من قدرات وميول وإمكانات وتهيئة مناخ استثمار هذه القدرات واكتساب خبرات مضافة شريطة ان تكون سوية ومأمونة العواقب، وتنمية مشاعر الحب والولاء والانتماء للوطن وأولي الأمر فيها، والتركيز على التعاون كعامل فعال في بناء المجتمع، والاهتمام بانتقاء أساليب التربية الحديثة. وهكذا تصبح أهمية التوجه المستقبلي عن طريق الاستثارة لعوامل التغير مع الوعي لأهدافها وقيمها التي تنبني على أسس علمية عصرية تتجلى استراتيجيتها في الانتقال بالمجتمع إلى واقع حضاري جديد يواكب حركة التقدم الحضاري العالمي.