تقرأ قصيدة (ما) فتتفاعل معها سواء بالفرح أو بالبكاء.. وقد تقرأ قصيدة أخرى فلا تشعر بكلماتها أبداً.. في المقابل قد تجد صديقك مثلاً لم تعجبه القصيدة التي أعجبتك، بل أن القصيدة الأخرى التي لم تعجبك قد أثارته وأعجبته كثيراً.. فما هي المقاييس التي يتخذها القارىء لتحديد ما إذا كان العمل الإبداعي يروقه أم لا؟! ليس سؤالاً صعباً كما يبدو؟!! وسنحاول أن نجزىء المسألة لتبدو أكثر وضوحاً، فنقول مثلاً: إن مقاييس القارىء في تقييمه للعمل الإبداعي هي: (الثقافة - الذوق - الموقف) وسنشرحها كالتالي: (الثقافة) تعتبر ثقافة القارىء مهمة في قراءته وتقييمه وفهمه للنص الإبداعي، فالقارىء البسيط قد لا تروقه قصيدة النثر وقد لا يفهمها لأن الثقافة المتواضعة تجعله ينصرف عن قراءة قصيدة النثر، وهذا ما يجعل قصيدة النثر حالياً بعيدة كل البعد عن وعي القارىء البسيط.وإذا ابتعدنا عن قصيدة النثر، واتجهنا للشعر بشكله المتعارف عليه، فإن هذه المعضلة تتكرر بشكل آخر، فمثلاً قصائد شعراء آخرين تتطلب قارئ مثقف واع يستطيع أن يفهم هذه القصائد ويتفاعل معها وبالتالي يقيمها حسب ثقافته. (الذوق): مسألة الذائقة الشعرية تختلف من شخص لآخر، لأن العوامل التي تؤثر على الذائقة الشعرية تختلف من بلد إلى آخر، حتى وإن كنا أصحاب ثقافة عربية واحدة، فإن الواقع يقول بأن هناك ثقافات مجزَّأة داخل الثقافة العربية، فهل ثقافة المشرق العربي هي نفسها ثقافة المغرب العربي؟! القارىء يقرأ القصيدة التي تتوافق مع ذائقته الشعرية، بغض النظر عن شكل القصيدة سواء عمودية أو تفعيلة، أو قصيدة النثر! والسؤال الذي يدور في ذهني:لماذا قبلت الذائقة الشعرية لمعظم العرب قصائد نزار قباني واحتفت بها رغم أن هذا الشاعر كان يشتم كل العرب في قصائده؟ولماذا هذه الذائقة في المقابل (تجاهلت) شعراء هم أفضل (شعرياً) بمراحل من الشاعر نزار قباني، وإذا أردنا تحديد بعض الأسماء فنقول مثلاً: الجواهري - عمر أبوريشة - بلند الحيدري - أمل دنقل؟! إن الذائقة الشعرية للقارىء مهمة لتحديد العوامل النفسية التي تجعل القارىء يقبل على قراءة قصائد شاعر (ما) دون شاعر آخر أفضل منه إبداعاً وتميزاً.!! (الموقف): يتخذ القارىء موقفاً اجتماعياً أو سياسياً أو عرقياً تجاه شاعر (ما)، وفي هذه الحالة لا يكون القارىء محايداً في قراءاته للنص الإبداعي، بل يكون تحت تأثير وسطوة هذه العوامل، وهذا ما يؤدي بالتالي إلى أن يفهم القارىء النص الإبداعي فهماً خاطئاً، لأنه يبحث في النص عن مدلولات محددة يفسرها هو بطريقته الخاصة ليقنع ذاته من خلال موقفه الفكري أن هذا الشاعر كان كما يتوقع (خائن) أو (فاسق) أو لا (يفقه) في الشعر شيئاً، هذا ما يبحث عنه القارىء في قراءته للنص التأكيد على نظرته السابقة لهذا الشاعر أو ذاك!! أخلص إلى القول بعد هذا الاستعراض الموجز: إن تحديد المقاييس التي يتخذها القارىء لتحديد إذا ما كان العمل الإبداعي يروقه أم لا، هي صعبة بالتأكيد، وما كتبته سابقاً لا يعد إلا اجتهاداً متواضعاً في هذا المجال، وإن كنت أمنِّي النفس بأن أرى كتاباً يشرح العوامل النفسية التي تحدد ذائقة القارىء العربي.