سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يفتح دفاتره ل "الحياة" في حوار شامل حول الشعر والحداثة وفلسطين . محمود درويش : أمي هي أمي وأنا ابنها المفضل لأنني الغائب وسيرتي الذاتية كتبتها شعراً 3
نشر في الحياة يوم 12 - 12 - 2005

يتحدث الشاعر محمود درويش في الحلقة الثالثة من هذا الحوار عن مجلة"شعر"التي احتكرت برأيه الحداثة، وعن الشعراء الشباب والفوضى في المعترك الشعري الراهن. ويتذكر جزءاً من ماضيه ويدافع عن حبه لشعر المتنبي.
نشرت في مجلة"شعر"بضع قصائد...
- أنا لم أنشر، المجلة أخذت القصائد من صحافة الداخل الفلسطيني. ولعلها المرة الوحيدة التي نشرت لي قصائد في"شعر".
كيف تنظر الى مجلة"شعر"؟
- لا شك في أن مجلة"شعر"كان لها دورها وكانت لها أوهامها أيضاً. ومن أوهامها انها احتكرت مفهوم الحداثة الشعرية وحاولت ان تقصي التجارب الأخرى خارج"جنة"الحداثة، إذا جاز التعبير. وأعتقد بأن مجلة"شعر"مثلت تياراً من تيارات الشعر العربي الحديث وليس كل الشعر العربي الحديث. ومن عيوب التعامل مع هذه الظاهرة ان هناك دراسات جامعية تدرس الشعر الحديث من خلال مجلة"شعر"فقط. ويجب ألا ننسى أنّ كان هناك مجلة"الآداب"وكان هناك الشعر العراقي والشعر المصري... وهذه تيارات أساسية في الشعر العربي الجديد. ليس كل شعراء مجلة"شعر"استطاعوا أن يُكرِّسوا أو أن يحققوا مكانة شعرية كبيرة. هناك بضعة شعراء فقط.
كانت مجلة شعراء أكثر مما كانت مجلة منفردة بذاتها أو مجلة تيار واحد!
- حاولت أن تكون مجلة تيار وانشغل بعض شعرائها بالتنظير الزائد عن اللزوم أحياناً. إنها مثل أي حركة شعرية، خرج منها في نهاية الأمر بضعة شعراء مهمّين.
والمعركة الفكرية الحداثية التي خاضتها هذه المجلة هل عنت لك شيئاً؟
- إنني اطلعت على المجلة متأخراً أي بعدما خرجت من فلسطين وكانت قد توقفت عن الصدور. وكانت المعركة التي أعلنتها قد انتهت، خصوصاً بينها وبين مجلة"الآداب". إلا أن المعركة الشعرية الحداثية مستمرة حتى الآن ولكن عبر أدوات أخرى: هل الشعر يعرّف بما يقوله أي بموضوعه أم في كيفية ما يقول؟ هل للشعر دور ما؟ هل يجب أن يكون على علاقة بالقارئ أم لا؟ وما هي العلاقة بين المتلقي والشاعر؟ هل الذات الكاتبة هي وحدها في العملية الشعرية أم ان ثمة ما يشاركها، كاللغة مثلاً؟ مثل هذه الأسئلة ما زال مستمراً حتى الآن. هل عزلة الشعر هي مقياس من مقاييس جودة الشعر؟ ذيول المعركة ما زالت قائمة حتى يومنا. وأعتقد ان من الجميل أن يكون هناك تيارات، عوض أن يكون هناك تيار واحد متسلّط على الساحة الشعرية.
لكن"شعر"لعبت الدور الرئيس في ترسيخ القصيدة الحديثة!
- لمَ لا؟ لكن"الآداب"لعبت مثل هذا الدور أيضاً.
لكن"شعر"حصرت مشروعها في الشعر بينما"الآداب"كان مشروعها أدبياً ورفضت قصيدة النثر؟
- أنا لم أطلع على المشهد عندما كان قائماً. جئت متأخراً، ذلك انني خرجت في العام 1971، وكانت وقعت هزيمة 1967 التي غيّرت مفاهيم مجلة"شعر"نفسها.
"مواقف"
"مواقف"مجلة الشاعر أدونيس هل تابعتها حينذاك؟
- صدرت"مواقف"عندما كنت في بيروت وكنت في مرحلة من أسرة تحريرها.
كيف ترى الى"مواقف"لا سيما في تلك الفترة؟
- مجلة"مواقف"أضافت بدورها. وحاولت أن تقيم علاقة بين الابداع والفكر والثورة والتغيير، بين الابداع والحرية. كانت"مواقف"تمثل حالاً من القطيعة مع مجلة"شعر"، لكنها قطيعة تطويرية. واتجهت نحو السؤال الفكري ولم تكن مجلة ابداعية فقط.
لماذا انسحبت من أسرة تحريرها؟
- لم أنسحب لخلاف أو سواه، ولكن كان عندي مجلة"شؤون فلسطينية"ثم أصدرت"الكرمل"في العام 1981.
الإشكال الذي أثاره تصريحك قبل فترة حول شعر الحداثة كيف توضحه، خصوصاً بعدما ترك التباساً أو سوء فهم؟
- أولاً لم أتعرّض للشعر الجديد وشعر الحداثة. سئلت في تونس في لقاء صحافي كبير جداً، عن أزمة العلاقة بين المتلقي والشعر الجديد. وقلت إن هناك أزمة فعلاً لأن بعض الشعراء يستمرئون عزلتهم ويضعونها هدفاً، من غير أن تكون نتيجة طبيعية لتطور ما في نص شعري جديد على الذائقة. هناك شعراء يقيسون جمالية شعرهم بمدى عزلتهم عن القارئ. وهناك سبب آخر وهو أن القارئ لا يريد أن يقترب من شعر يرفضه كمتلقٍ. وأنت تعرف أن الشاعر ليس وحيداً في الكتابة، إنه طرف في المعادلة الشعرية، هناك الشاعر، هناك اللغة التي تفرض نفسها على الشاعر، وهناك طرف ثالث لا يتم الفعل الابداعي من دونه وهو القارئ. هذا الثلاثي هو الذي يساهم في تطوير الفعل الشعري وفي تحقق القصيدة. وهذا التحقق لا يتم إلا من خلال تفاعل ما، بين القارئ والشاعر. لم أتعرّض لأحد ولا أحب أصلاً التعرض لأحد. كل شاعر حر. وأردد دوماً أن على السجال الشعري اللامجدي أن ينتهي. قصيدة النثر هي خيار شعري مكرّس وفيها أعمال ابداعية جميلة جداً. ويجب أن ننظر الى الشعر في كل خياراته، العمودي والتفعيلي والنثري، والى مدى تحقق الشعرية في القصيدة. هذه نظرتي العامة ولا يمكنني أن أكون تقليدياً أو رجعياً، الى حد أن أرفض أي اضافة أو أي اقتراح شعري جديد.
هل تقرأ الشعراء الجدد والشباب؟
- أقرأهم دوماً وأتعلّم منهم وأراقب دوماً التوجهات الجديدة في علاقة الشعراء باللغة والنص والبناء والايقاع، لكي أستوعب ايقاع العصر الجديد. قد أكون هرمت من دون أن أدري. قد أكون تحولت الى تقليدي من دون أن أعلم. تجارب الشعراء الجدد ولو لم تكن ناضجة، تلفت نظري الى مسارات جديدة عليّ أن أنتبه لها وأن استفيد منها إذا كانت قادرة على امداد النص الشعري بدم جديد وحياة جديدة. ولكن لنعترف، هناك فوضى، سواء في الشعر العمودي أم التفعيلي أو النثري، هناك فوضى. وهذا طبيعي، لأن لا رقابة على النشر، وأقصد بالرقابة الرقابة الأدبية والابداعية التي تضع معايير وتحدد للقارئ، مفاتيح ما هو شعري وما ليس شعرياً. سهولة النشر كبيرة جداً وكل الصحف العربية فيها صفحات ثقافية يجب أن تمتلئ بما توافر، والمحررون يكونون أحياناً في مستوى لا يؤهلهم لتقويم الشعر. لذلك تعمّ الفوضى، وهي ليست من سمات عصرنا، ففي كل العصور كان هنا فوضى. لكنّ صعوبة النظم كانت تحول الى حد ما دون استتباب الفوضى. فالنظم يتطلب أدوات عروضية ولغوية قوية وقد يكون مجرد نظم خالٍ من الشعر.
مَن يتحمل مسؤولية هذا الفلتان الشعري؟
- الفوضى النظرية التي عرّفت الحداثة بها، كل شيء غير منضبط في شكل، يستطيع أن يدّعي شاعره أنه ينتمي الى الحداثة. والآن عندنا تسمية جديدة هي ما بعد الحداثة. ونحن ما زلنا نعيش في عصر ما قبل الحداثة.
لكن الشاعر الفرنسي لو تريامون يقول إن على الشعر ان يكتبه الجميع!
- أعتقد أن كل كائن بشري يحاول أن يكتب شعراً. والفرق ان هذا الشعر لم تُتح له فرصة النشر، أو ربما فرصة التكوّن. وكما تعرف في فترة المراهقة يكتب المرء ما يشبه الخواطر ويقلّد بعض الأدباء. وهذه الكتابات غالباً ما تكون شخصية. يجب أن يكتب كل الناس، كما قال لوتريامون، لكي يخرج من هؤلاء شعراء وروائيون وكتّاب...
لا تزال تصرّ على"صدمة"جمهورك، وما زال هذا الجمهور يتابعك في أمسياتك الشعرية. كيف تنظر الى هذا الجمهور والى"الصدمة"التي تحدثها فيه عندما تقرأ له قصائدك الجديدة التي تختلف عن القصائد الأولى التي يميل اليها عادة؟
- لا أعرف ان كان الجمهور يميل الى القصائد الأولى حقاً. لم يعد الجمهور يطالبني كما في السابق بأن أقرأ ما في ذاكرته من شعري. وهذا حسن. واستطعت أن أجد ما يشبه الثقة المتبادلة بيني وبين القراء. إنني لا أحب كلمة جمهور. لنقل المتلقي أو القارئ. فالجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة. وأنا لا أستطيع أن أتكلم عن الجمهور بطلاقة، لأنني سأرتكب أخطاء كثيرة. ثم من هو الجمهور؟ قد يكون مجموعة من الشعراء والمثقفين، قد يكون من سائقي التاكسي أو ربات البيوت أو الطلاب، وقد يكون لكل مجموعة الحق في أن تقيم علاقة مع الشعر. المشكلة عندنا ان القارئ العربي يشعر بأن من حقه أن يتدخل في تحديد مفهوم الشعر. وكل قضية من هذا النوع تتحول قضية عامة قد يهددها خطر التبسيط، لئلا أقول الابتذال. إنني أواكب قرائي مثلما هم يواكبونني وهم يتطورون ويتغيرون. وأكثر ما يسعدني في هذا الوقت، انني أفاجأ أينما ذهبت بأن الذين يحضرون الأمسيات الشعرية هم في ما يقارب التسعين في المئة من الجيل الجديد ومن الشباب في العشرينات. وهذا يعني أن قرائي الذين يحبون قصيدة"سجل أنا عربي"رحلوا وتركوني أو أنهم اكتفوا بذلك. إذاً اقتراحي الشعري هو أن من حق الشاعر أن يواصل تطوير لغته وأن يحميها من التكرار والارهاق. حتى اللغة الشعرية تصاب بالارهاق، وعلى الشاعر أن يجدد صورها واستعاراتها. هناك إذاً علاقة تتجدد مع تجدد الذائقة والعصر والزمن. هناك ثقة متبادلة، وإذا حقق الشاعر الثقة مع قرائه فقراؤه يعطونه الحرية في أن يطور نفسه كما يشاء. وإذا لم يكن هناك من ثقة أو إن كان ثمة جدار بين الشاعر والقراء، فالأمر يصبح قيداً ثقيلاً. بعض الشعراء يستهزئون بهذا القارئ وبعضهم يقدمون له تنازلات ويسمعونه ما يريد أن يسمع، ويكتبون له ما يريد أن يقرأ.
شعراء البدايات
أي شعراء تركوا فيك أثراً شعرياً منذ البدايات؟
- أوه...
مَن كنت تقرأ عندما كنت في فلسطين؟
- لم يكن عندي شاعر واحد أتعلّم عليه. كانت الكتب المتوافرة عندنا في الداخل هي ما تبقى من مرحلة الانتداب البريطاني. كنا في حالة حصار ثقافي حقيقي. كنت أعرف السياب جيداً والبياتي وكنت أقرأ نزار قباني أيضاً، وهو كان حاضراً في مراهقتي الشعرية. قرأت في تلك الفترة"الداخلية"غارثيا لوركا وبابلو نيرودا وتأثرت بهما وخصوصاً لوركا. كان المتاح لنا من الشعر العربي الحديث قليلاً. فيما الشعر الكلاسيكي العربي متوافر وكذلك الشعر المهجري، وكنت أميل الى غنائية هذا الشعر والى بساطته. وفي الشعر المصري اطلعت على بعض أعمال صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. أدونيس لم يكن معروفاً في الداخل ولم يكن شعره وصل إلينا. القصيدة الأولى التي قرأتها لأدونيس كانت في العام 1968 على ما أعتقد، وكانت فدوى طوقان تزورنا في حيفا ومعها مجلة فيها قصيدة لأدونيس، لم أعد أذكر ان كانت"هذا هو إسمي"وأعجبتني كثيراً. ولكن لم يكن لأدونيس حضور في فلسطين، في تلك المرحلة كما الآن. مصادرنا الأخرى كنا نقتبسها من الصحافة مثل"الاتحاد"و"الجديد"في حيفا.
كتبت أنت في الصحافة حينذاك!
- كنت رئيس تحرير مجلة"الجديد"ومحرراً في جريدة"الاتحاد"وكنت أكتب افتتاحيات ومقالات سياسية. دخلت عالم الصحافة باكراً، في العشرين من عمري وأقل. وكانت خياراتنا الأدبية خاضعة لاعتبارات يسارية.
كنت في الحزب الشيوعي الاسرائيلي!
- نعم.
من هم الشعراء الذين تفضلهم الآن وتقرأهم؟
- هناك شعراء أجانب كثيرون أقرأهم. والأكثر قرباً هو ديريك والكت. في السنوات الأخيرة كان والكت شاعري المفضل في اللغة الانكليزية. وربما هو أفضل من يكتب في هذه اللغة الآن. وهناك شيموس هيني. أعجبت كثيراً بالشاعر البولندي ميلوش وبالشاعرة تشمبرسكا. وكذلك أنا شديد الاعجاب بالشاعر اليوناني ريتسوس، وكنت على صداقة معه. فرنسياً إنني شديد الإعجاب بسان جون بيرس ولويس أراغون ورينه شار... وهؤلاء أقرأهم مترجمين الى الانكليزية أو العربية، ففرنسيتي لا تسمح لي بأن أحتك بنصوصهم في اللغة الأم. وفي الشعر الأميركي اللاتيني شاعري المفضل هو بابلو نيرودا. وفي الشعر الإيطالي أحب أوجينيو مونتالي شاعراً وناقداً. المشهد الشعري عالمياً في النصف الثاني من القرن العشرين، أو في القرن العشرين كله، كان من أغنى المشاهد الشعرية في التاريخ. أحب أيضاً الشاعر اليوناني جورج سيفيريس وكذلك الشاعر اليوناني إيليتس.
وما قصتك مع المتنبي؟
- المتنبي، على الاختلاف الكبير معه حول نزعته الى السلطة ومدائحه وهجاءاته، أعتبر انه يلخص الشعر العربي الكلاسيكي. واذا أردنا أن نقرأ الشعر العربي كله مجازاً في شاعر واحد نقرأه في المتنبي. ثم إذا أردنا أن نقرأ الشعر المختلف عن شعر المتنبي نقرأ أبا العلاء المعري.
وأبو تمام أين تضعه؟
- أبو تمام، مشروعه التحديثي بين موسين هو الذي سمح للحركة الشعرية العربية أن تتجدد. طبعاً هو من الشعراء الكبار، لكنه شديد التقعّر ومشغول بنحت الكلمات وخلق الصور الغامضة.
وأبو نواس أليس هو من أوائل الشعراء"المدنيين"؟
- طبعاً طبعاً، أبو نواس نقل الشعر من البداوة الى المدنية. العصر العباسي هو العصر الذهبي للشعر العربي الكلاسيكي، ولكن في موازاة الشعر الجاهلي.
ألا تعتقد ان المتنبي في"الأنا"المتضخمة عنده والنرجسية ترك أثراً سلبياً في الشعر العربي؟ كأن يقول:"أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي...". من هو هذا الشاعر الذي يجرؤ أن يقول إن الأعمى قرأ أدبه؟ ما هذه المغالاة؟ ما هذا الاعتداد؟
- قد تصلح شخصية المتنبي وتناقضاته لكتابة مسرحية عنه. ربما هذه الجوانب سلبية لديه ولكن ما يعنيني في المتنبي هو شعره. لا شك في أن شعره يتمتع بجزالة رهيبة وفيه تختلط الحكمة مع العاطفة المتأججة. وهو يضع علامات لا يمكن أن تخطئها العين ولا الأذن. أنت تعرف المتنبي من غير أن يوقع قصيدته. وقدرته على أن يخلق سلطاناً شعرياً في هذا المستوى، لا نستطيع أن نمرّ بها مروراً محايداً.
لكنّ هذا لا ينطبق على كل شعره.
- ليس من شاعر كل شعره جميل. وعندما أقرأ مدائحه وهجائياته أنسى الممدوح والمهجو وتطربني الجزالة الشعرية والبلاغة. القوة الداخلية لدى المتنبي حجبت عني أخلاقيته. أما انه ورّث"الأنا"المتضخمة الى غيره فإن"الأنا"لا تورّث. هناك شعراء آخرون متضخمون وفي كل العصور.
ومشروع"التنبؤ"لديه!
- هذا المشروع ليس مشروع المتنبي وحده. العصر الرومانسي شهد مثل هذا المشروع، بل ان الرومانسية نفسها تقوم على هذا المشروع الرؤيوي ولا سيما الرومانسية الألمانية.
ولكن هناك فرق بين الرؤيا والادعاء؟
- هذه الظاهرة موجودة عبر العصور حتى في عصرنا الحديث. وعلى الشاعر في عصرنا أنني خفف من دلالات فهمه لدوره. الشعر الآن يهتم بالهامشي أكثر مما يهتم بالقضايا الكبيرة. فكرة البطولة أو الفرادة ألغتها الحداثة الشعرية أصلاً. وأكرر ان هذا المشروع لا أعتقد انه من ميراث المتنبي. هذه خصائص بشرية. عندما تريد وصف وضع ما، في شكل تلقائي تلجأ الى الاستشهاد ببيت للمتنبي. وإن قلت ان المتنبي أكثر حداثة وحياة منا جميعاً فإنما قلت هذا من قبيل المجاز. وقامت عليّ القيامة لأن البعض أخرج كلامي من سياقه.
أعود الى مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث! ماذا تعني لك مقولة الرواد؟ هل ما زالت هذه المقولة مستمرة أم انها باتت مرتبطة بزمن معين؟
- أعترف بأني لا أستطيع أن أقرأ شعر معظم الرواد. وشعر هؤلاء يحتاج الى قراءة نقدية جديدة والى غربلة. وأهمية الرواد هي أهمية تاريخية، فهم شكلوا بشعرهم أو بأسمائهم نقطة انعطاف أو تمرد على القصيدة الكلاسيكية عبر خلق كلاسيكية تفعيلية جديدة. أي انهم تمردوا على التقليدية بما يمكن أن أسميه تقليدية أخرى. أنا لا أستطيع أن أقرأهم. انهم يحتاجون الى اعادة نظر، ولكن هذا لا يعني انني أخفف من أهمية دورهم التاريخي. الجامعات العربية وللأسف الشديد، لا تعرف مرحلة ما بعد الرواد. وكل جيل ما بعد الرواد غير مقروء جيداً، نقدياً وأكاديمياً. فجيل الرواد احتل مفهوم حداثة الشعر العربية، وأغلق الباب في وجه من أتى بعده. كل هذه المسألة تحتاج الى قراءة جديدة وإعادة نظر. أين تضع سعدي يوسف هذا الشاعر الكبير؟ فلا هو مع الرواد ولا مع جيل الستينات أو السبعينات؟ أين تضعه؟
وأنت أليس أمرك هو نفسه؟
- إذا كنت أنا شاعراً مهماً فأين تضعني؟ إذاً الريادة يجب ألا تقف عند مرحلة تاريخية وتتجمد. الريادة يجب ان تكون أشبه بالصيرورة المستمرة والمتواصلة. وهناك انقلابات في الشعر العربي في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكل جيل يقدم ريادة من نوع مختلف. فعلى النقد العربي أو على الاكاديميات العربية ان تجري تحقيقاً جديداً في شأن الريادة ويجب أن يظهر الخط المستمر من جيل الرواد الى الآن. وهكذا يصبح في الإمكان النظر الى الشعر العربي كحركة حيوية متقدمة باستمرار وتنقلب على نفسها وتجدد نفسها بنفسها. ويجب عدم وضع حواجز حديد بين جيل وجيل.
من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟
- لم أعد قادراً على قراءة شعر خليل حاوي مثلاً. والبياتي كذلك. لكنني أحترمهما. فهما غير قريبين الى ذائقتي. ومن المعروف أن الذائقة الشعرية مسألة ذاتية جداً، وأود ألا أذكر أسماء...
هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟
- طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.
أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الانسان!
- هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً.
كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟
- لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه.
نلاحظ أنك لم تكتب أي نص نظري في الشعر، علماً أن قصيدتك تحمل ما يشبه"البيان"الشعري بصمت! هل كتبت نقداً عندما عملت في الصحافة الفلسطينية في الداخل؟
- كنت أكتب مراجعات كتب، ولكن إذا قلت ان نظرتي الشعرية أو بياني الشعر موجودان في قصيدتي نفسها، فهذا يكفي. لماذا أضع نفسي في إطار نظري يصعب عليّ التخلص منه. وهذا لا يعني انني لا أحترم المنظرين، بل على العكس. لكن الملاحظ أن معظم الشعراء الذين ينظرون فإنما ينظرون لشعرهم، ويدافعون عن خيارهم الشعري، ولا يكونون منفتحين على تجارب الشعراء الآخرين ومستعدين لاستيعابها. ثم ليس لدي ميل الى التنظير، لأنني أخاف أن أخطئ.
لكنك في الاحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً!
- اكتفي بوضع ملاحظات، وهي ليست ناجمة عن مقولات أو نظريات متماسكة. ربما ليس لدي مؤهلات لهذا الأمر. ليس لدي هذا الميل.
ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟
- بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على اسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً الى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد"كزهر اللوز..."في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون ان شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق. وقلت أيضاً إن الحداثة لا تعرّف فقط بقصيدة النثر... أحياناً في بعض الحوارات الصحافية أو اللقاءات والمداخلات أعبّر عن مفهومي للشعر.
هل تقرأ ما يكتب الشعراء من تنظير شعري؟
- ليس كل الشعراء.
السيرة الذاتية
يبدو أن سيرتك الشعرية لا تظهر إلا في شعرك وخصوصاً في ديوان"لماذا تركت الحصان وحيداً"وفي"جدارية"، وكأن لا سيرة لك مع أنك تحب قراءة السيَر! ما سر غياب سيرة محمود درويش وطغيان الشعر عليها؟
- أولاً ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده ان كل قصيدة غنائية هي قصيدة أوتو ? بيوغرافية أو سير ? ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول ان القارئ لا يحتاج الى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة. ولا أخفيك ان سيرتي الذاتية عادية جداً.
على العكس، أجد انها سيرة مثيرة جداً وصاخبة... فماذا عن طفولتك؟ ماذا عن أمك وأبيك؟ ماذا عن المنفى؟...
- لم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي.
هل تخاف هذه السيرة؟
- لا. لا. لكنني لا أحب الإفراط في الشكوى من الحياة الشخصية ومشكلاتها. ولا أريد بالتالي أن أتبجّح بنفسي، فالسيرة الذاتية تدفع أحياناً الى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل"يوميات الحزن العادي"أو"ذاكرة للنسيان"ولا سيما الطفولة والنكبة... لا أريد أن أكرر هذا الموضوع وربما عندما أشعر بأن من الضروري أن أكتب سيرتي فسأكتبها. ربما عندما انقطع عن كتابة الشعر.
والدتك التي غنيتها في قصيدة"أمي"ماذا تمثل لك الآن؟
- انها أمي. وهي ما زالت على قيد الحياة. أما الوالد فتوفي منذ عشر سنوات وقد أصيب بضربة شمس في الحج.
وكيف علاقتك الآن بوالدتك؟
- أنا ابنها المفضل، والسبب بسيط لأنني الابن الغائب. غبت عنها سنوات طويلة ولكن كنا نلتقي قبل"الاغلاقات"من حين الى آخر.
غداً الحلقة الرابعة من الحوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.