عجباً أيها القلم فقد كنت دوماً سهلاً مطواعاً فما بالك اليوم متحشرج بالكلمات فجاءت كلماتك مبعثرة وكأنما تسكب عبرات على فراق محب لم تتوقّع منه سرعة الوداع. هذه هي سنًة الحياة، فليس منا في هذه الدنيا من لم يتجرّع كأس الفراق، وذاق ألم الفقدان, ولوعة الوداع، وسكب العبرات.... فجميعنا لا بد أنه فقد أمّاً حانية، أو أباً عطوفاً, أو أخاً شفيقاً, أو زوجاً محباً أو صديقاً مخلصاً ......, فيا كأسُ الفراق كم أنت مرّ المذاق.. في العناية المركزة بدت لحظات الفراق بالتسارع وأنت تتأهبين للمغادرة برفقة ملائكة الرحمة - بإذن الله- إلى السماوات العُلى بروح وريحان ورب غير غضبان، حيث ينادى عليك بأحسن ألقابك «أم محمد». نظرتي الأخيرة إليك يا صاحبة الوجه البشوش صاحبها شعور صادق بأنها مفارقة لفترة قصيرة وسنلتقي بعدها عند رحمن رحيم في رياض الجنة وسنتقابل من جديد ولكن في هذه المرة ليس هنالك فراق، بل سعادة وسعادة أبدية، فنحن ضيوف عند رب العباد. سوف ندندن وندندن على أمور عشناها في الحياة نتذكّرها ثم نحمد الله الذي غفر لنا وجمعنا في جنات النعيم. كل هذا الشعور راودني قبل أن أطبع القبلة الأخيرة على جبينك العطر ومن ثم انحدرت الدموع لفراقك يا صاحبة القلب الكبير. كنت يا سيدتي سخية بحسن ترحابك لكل من يقدم عليك. سخية بالاحتفاء والمحبة كنت تنظرين وتعاملين كل من حولك وكأنما خلقك الله وسيلة لإسعاد من حولك من البشر. سبحان ربي الذي جعلك يداً لا تعرف إلا العطاء, وقلباً لا يعرف إلا الحب والصفح، ووجه لا يعرف إلا الإقبال والابتسام. تشعرك أم محمد وأنت قادم إليها بأنك أهم شخص قدم عليها في هذه الحياة الدنيا، مستبشرة وفرحة بك وتتودد إليك بحب غير زائف وبقلب طاهر قلَّ أن يوجد في هذا العصر. لِمَ أسرعت بالرحيل يا أم محمد؟ فقد كنت آمل أن أجلس معك سنين وسنين أرتوي من عطف أمومتك وأزداد تعلّماً من حسن خلقك، فقد كنت بحضرتك دوماً كالعطشان في يوم اشتد حرة فوجد الماء البارد الزلال يشرب منه ولا يرتوي أبداً، وأخيراً ترجلت يا سيدتي دون أن نقول لك كلمة وداع أو نعبِّر عن مدى حبنا لك. وقد قيل سابقاً: اللهم قد سلّمت لك الروح، وانقطعت الأسباب إلا سببا موصولاً بك، فاللهم أكرم نزل لطيفة بنت سعود المعمر ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد, واجمعني بها في مستقر رحمتك, في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ** ** - عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عمران