اليوم الخميس 28 شعبان 1435ه يصادف مرور سنتين على رحيل الابن الغالي عبدالرحمن بن خالد المشاري ذي السنوات ال11.. وأنا على يقين بأن كل إنسان على وجه هذه الأرض قد شرب من كأس الفراق الحزين وذاق من علقم الفقد ولوعة الوداع، والأب أو الأم حينما يودعان ابناً أو قريباً أو حبيباً فإنهم يعيشون على أمل يتجدد دوماً بعودته مرة أخرى، ولكن كيف إذا كان الوداع لابن غالٍ توّسد لبنةً وفوق جسده الضعيف أطباق من الثرى ولا أمل لعودته، وهنا تبدأ قصة طويلة من الحزن والآلام التي لم يمحُها مرور الأيام لأننا كنا دائماً وأبداً نتذكر أنه بيننا وأنه لم يرحل، غرفته حاجياته الخاصة كلها ذكريات تذكرنا به، نتذكر كلماته نتذكر هواياته نتذكر أي أشياء كان يحبها فنتعلق بها ونحبها لأنها تذكرنا به، سنتان مضتا على رحيله وما زلت أنا ووالدته نعاني من مرارة الرحيل القاسي على قلوب الوالدين، سنتان مضتا وفي كل يوم نتذكر ذلك الوجه البشوش والجسد الضعيف الذي أنهكه المرض، وكانت رسالته الوحيدة لنا تلك الدموع التي تنهمر من عينيه فكانت كالخنجر الذي يطعن في قلوبنا، لأننا لا نعلم ماذا يريد وما الذي يبكيه، كانت سنوات مرضه طويلة حافلة بالكثير من المآسي والصدمات الطبية التي كانت تتفجر من شفاه الأطباء. لم ولن نجزع لفراقه لإيماننا بالأقدار وأن (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، والموت هو نهاية كل إنسان في الحياة الدنيا، ولكن الحنين والشوق هما اللذان أجبراني على كتابة هذه الأسطر في هذا الوقت، لم أكتبها بعد رحيله لأنني عانيت من ألم رحيله وترك في قلبي حسرةً استمرت طويلاً. كانت سنوات مرضه مليئة بالتفاؤل والأمل بأن يمنّ المولى عزّ وجلّ عليه بالشفاء، ولم نيأس من رحمة الله أبداً، وهناك الكثير من الذين وقفوا معنا من الأقرباء والمحبين وعلى رأسهم جده لأمه عبدالعزيز بن عبدالله القاسم، وخاله اللواء مهندس إبراهيم بن سالم المشاري، والمهندس سامي الثنيان، فكانوا قريبين منه بأجسادهم ومشاعرهم وأحاسيسهم ودعائهم، وغيرهم الكثير من الرقاة، فكان الفقيد الغالي محبوباً من الجميع، الكل كان يتمنى أن يرى هذا الطفل وقد كتب الله له الشفاء، لا أبالغ إن قلت إن هناك رقاة وصلوا من أبها وخميس مشيط والقصيم وحائل، بالإضافة إلى الكثير من الرقاة من الرياض جاءوا من أجله وله، ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه ولله في ذلك حكمة. يا بني عانيت طويلاً في حياتك ولكنك انتقلت إلى الرفيق الأعلى مساء يوم الخميس 28 شعبان 1433ه انتقلت إلى من هو أرحم بك منا، إنه رب الأرباب ومسبب الأسباب، رب رحيم سيمنحك جزاء رضاك وصبرك رفعة الدرجات وأعلى الجنات إن شاء الله، فالحادث أقعدك وأنت في أجمل سنوات طفولتك ثلاث سنوات ونصف السنة هي عمرك الحقيقي، ثلاث سنوات ونصف السنة تذوقنا معك أجمل الأيام والأحاديث البريئة التي أتحفتنا، بها فكنت طفلاً أنيقاً بلبسك مذهلاً بأحاديثك التي تجاوزت سنك، ممتعاً بكل شيء، ملأت علينا الدنيا فرحاً وبهجة، ولكنها فرحة لم تكتمل وسعادة لم تدُم، فالأقدار سبقت الأماني، وهذا أمر الله يا بني أراد لك الخير والإنسان مبتلى وليس لنا بعد فراقك سوى حمد الله وشكره على قضائه وقدره. اللهم إني أسألك أن تنزله منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، اللهم أنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم إني استودعتك فلذة كبدي، اللهم لا تجعل آخر عهدنا به في الدنيا، اللهم اجبر كسر قلوبنا على فراقه، اللهم لا تحرمنا رؤيته وشفاعته في الجنة، والحمد لله على قضائه وقدره. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.