هذه الأيام، يتنقل الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، مثل الامبراطور، بين منازله الفخمة، في مسقط رأسه، في ولاية نيويورك، وجارتها نيوجرسي، وعلى ضفاف المحيط، في منتجعه الفخم (مارالاقو)، في مدينة بالم بيش، بولاية فلوريدا، الذي يناهز سعره المليار ريال، ولا غرو، فهو يشعر بنشوة عظيمة، بعد أن هز الولاياتالمتحدة، ومعها العالم، بعد فوزه برئاسة أقوى دول العالم، والسبب الرئيس لنشوة ترمب، هو شعوره بأنه هزم أشرس خصومه، أي الإعلام الأمريكي، فعدا عن قناة فوكس اليمينية، وبعض القنوات والمطبوعات المحافظة، كان الإعلام الأمريكي، وطوال الحملة الانتخابية، منحازا بشكل فج، لهيلاري كلينتون، لدرجة أفقدت الكثير من القنوات والصحف الكبرى مصداقيتها، وما الحرب التي دارت رحاها، بين ترمب من جهة، وقناة سي إن إن، وجريدة النيويورك تايمز من جهة أخرى، إلا انعكاس لانحياز الإعلام، الذي لم يسبق له مثيل، في أي انتخابات سابقة، منذ أن أصبح الإعلام لاعباً رئيساً في مسيرة الانتخابات الرئاسية. منذ فوز ترمب، يضج الإعلاميون الأمريكيون، ويتهمونه بتجاهله لهم، لدرجة أن بعضهم طرح فكرة مقاضاته، بحجة أن من حق الشعب الأمريكي أن يعرف أدق التفاصيل عن رئيسه المنتخب، ولكن ترمب تجاهل كل ذلك، ثم تكرم بمقابلة بعض مسؤولي القنوات والصحف الكبرى، بطريقته هو، لا بطريقتهم، وحتى عندما أراد أن يعلن بعض الخطوات الكبرى، فإنه لم يتبع التقاليد المعروفة، ويعقد مؤتمراً صحفياً، ولكنه فعل ذلك عن طريق فيديو مسجل، وزعه على وسائل الإعلام، التي بدورها طارت فرحاً به، ثم فعل ذلك مرة ثانية، عندما وزع مساعدوه كلمة مسجلة له، يخاطب فيها الشعب الأمريكي، بمناسبة عيد الشكر، ويأتي هذا بكل تأكيد، رداً من ترمب، على الإعلام التقليدي، الذي حاربه بكل قوة، طوال حملته الانتخابية، عن طريق نشر الفضائح، والمبالغة في ترويجها، لدرجة جعلت ذلك، في تقديري، يأتي بنتائج عكسية، إذ من المسلم به، أن النفع يأتي غالباً مما يراد له إلحاق الضرر. ترمب، وبسبب موقف الإعلام التقليدي منه، اعتمد بشكل كبير، خلال حملته الانتخابية، على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً حسابه على تويتر، وكذا حسابات أبنائه، وبعض أركان حملته، كما اعتمد على اليوتوب، الذي نشر من خلاله رسائله على أوسع نطاق، ويبدو أن أثر ذلك كان بالغاً، في إيصال رسائله للناخبين، بشكل مباشر، وغير تقليدي، وهو الأمر الذي ساهم في فوزه بالرئاسة لاحقاً، ويتساءل الإعلاميون الأمريكيون اليوم عما إن كان الرئيس المنتخب سيواصل هذه السياسة الإعلامية غير التقليدية طوال فترة رئاسته، أم أن هذا أمر مؤقت، أتى كردة فعل من ترمب ضد الإعلام المتحيز، وشخصياً أعتقد أن ترمب يعي ما يفعل، وهو، وباستشارة خبراء الإعلام في فريقه الرئاسي، قد يواصل هذه السياسة الجديدة في تعاطي الإدارة الأمريكية مع الإعلام، ويبقى السؤال: هل سيقبل الإعلام التقليدي - الذي اعتاد على تقاليد راسخة، في التعاطي مع الرئيس وإدارته - بهذا الواقع الجديد، أم أننا مقبلون على معركة كبرى، بين فخامة الرئيس ترمب، وأقوى وأشرس إعلام عرفه العالم؟! هذا ما سنعرفه خلال الأشهر القادمة، فلنتابع.