لم تكن الانتخابات الأمريكية هذا العام عادية، فقد كانت بين مرشحين غير عاديين، أي بين سيدة، تبنتها المؤسسة السياسية لأمريكا، وبين مرشح مثير للجدل، جاء من عالم المال والأعمال، ودهاليز عارضات الأزياء، وبالتالي كان الشعب الأمريكي بين خيارين أحلاهما مر، ولم يكن أعتى المحللين يتوقع ما حدث يوم الثلاثاء الماضي، فقد كان زلزالاً سياسياً، وثورة خضراء، هزت أركان المؤسسة التقليدية الأمريكية، فالرئيس المنتخب، دونالد ترمب، لا يحمل في جعبته أي تجربة سياسية، إذ لم يسبق أن ترشح لأي منصب، كما أنه لا يحمل أي خبرة عسكرية، فقد تهرب من حرب فيتنام، كما فعل كل أبناء الأثرياء، في ذلك الزمن، ومع ذلك فإن اللغة المتطرفة، التي استخدمها ترمب، خصوصاً ضد المهاجرين، كان لها دور حاسم في ترجيح كفته، علماً أنها قد جرت العادة أن لا تجذب مثل هذه اللغة الناخبين، فقد سقط مرشحون كثر استخدموا ذات اللغة، ما يعني أن هناك انقساماً حاداً في المجتمع الأمريكي. الزلزال السياسي في أمريكا سمع العالم صداه، فلم يكن أحد، خارج إطار أنصار ترمب المخلصين، يتوقع أن يحصد الرئاسة، وكانت هيلاري واثقة من الفوز، لدرجة أنها بدأت، قبل أسابيع، تطوف الولايات دعماً لمرشحي الكونجرس الديمقراطيين، ولكن ليلة الثلاثاء الماضي كانت ليلة تاريخية، وثورة على أعراف وتقاليد السياسة الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية. ولعلنا نعترف أن ترمب كان ذكياً للغاية، إذ عرف كيف يجتاح مشاعر الناخبين، ويجذبهم إليه، عبر أطروحاته، التي كانت تبدو عنصرية ومتطرفة، ولكنها راقت لشرائح واسعة من الشعب الأمريكي، الذي ضاق ذرعاً بسياسات الحكومة الفيدرالية التقليدية، وقد اعترف عتاة المعلقين الأمريكيين بذكاء ترمب في هذه النقطة تحديداً، وكان أكبر الخاسرين هي مؤسسات استطلاع الرأي، والتي كانت في واد، والحقيقة في واد آخر، وهناك إجماع على أن زلزال ترمب كان أكبر مفاجآت التاريخ السياسي الطويل للإمبراطورية الأمريكية. الآن، ترمب أصبح رئيساً، وهناك تخوف كبير، في أمريكا وحول العالم، من أن ينفذ ما قاله في حملته الانتخابية، ولكن مهلاً، فترمب لم ينتخب حاكماً لإحدى جمهوريات الموز، بل لقيادة زعيمة العالم الحر، والنظام المؤسساتي العريق لأمريكا يوزع السلطات بين الرئيس والكونجرس، كما أن ترمب سيكون محاطاً بمستشارين، على أعلى مستويات التأهيل والخبرة، رغم أن هناك تخوفاً مبرراً من أن سيطرة الجمهوريين على الكونجرس، قد تسهم في إطلاق يد ترمب، لتنفيذ بعض السياسات الخاطئة، وعلينا أن نتذكر أن ترمب وعد مراراً بمسح تاريخ الرئيس أوباما، في حال أصبح رئيساً، ويعتبر الاتفاق النووي مع إيران هو أبرز إنجازات هذا التاريخ الأوبامي، ولم يكتف ترمب بذلك، بل قال إنه سيسعى لإلغاء الاتفاق النووي في أول يوم له في البيت الأبيض، فهل يتحدى الأوروبيين ويفعلها، أم تراه سيكون سياسياً آخر، يقول شيئاً في حملته الانتخابية، ثم يرجع عنه، عندما يتسلم السلطة، فلننتظر ونرى.