لم تكن علاقة المرشح، دونالد ترمب، جيدة مع حزبه الجمهوري، وهو لم يكن سياسياً في يوم من الأيام، إذ هو من خارج دائرة المؤسسة الرسمية، ولم يكن سراً أن الحزب الجمهوري قاتل حتى النهاية لحرمانه من الترشح، ثم اضطر مجبراً على ترشيحه، بعدما أدرك أن شعبيته جارفة، لدى قاعدة الحزب الرئيسية، وأن حرمانه سيتسبب بانشقاق الحزب، وحرمان الجمهوريين من الوصول للبيت الأبيض، وغني عن القول إن هناك أسماء جمهورية بارزة رفضت التسليم بترشيحه، مثل المرشح الجمهوري لانتخابات 2012، ميت رومني، والرئيس الأسبق، بوش الأب، الذي تسرب أنه سيصوت لهيلاري كلينتون، كما أن هناك من دعم ترشيحه، ولكن على استحياء، ودون حماس لذلك، مثل السيناتور الشهير، ومرشح الجمهوريين في انتخابات الرئاسة لعام 2008، جون مكين، وكذلك خصم ترمب في انتخابات الحزب التمهيدية، السيناتور تيد كروز، وغيرهم كثير، وبعدما تسرب الفيديو الفضيحة لترمب، الذي جاء قبل يومين من مناظرة ترمب الثانية مع هيلاري، سارعت أسماء جمهورية كبرى للشجب، وسحبوا دعمهم له، وعلى رأسهم السيناتور جون مكين. بعد تسريب الفيديو الفضيحة، كان الحزب الجمهوري يأمل في أن ينسحب ترمب من السباق، بل وطالبوه بذلك، بعضهم سراً، والبعض الآخر علناً، ولكن ترمب رفض رفضاً قاطعاً هذه الفكرة، وجاء للمناظرة غاضباً على الجميع، بما فيهم الجمهوريون الذين تخلوا عنه، وكان ذلك واضحاً في ملامح وجهه الشرسة، وسلوكه، ولغته الحادة، ففي الوقت الذي دخلت هيلاري إلى ساحة المناظرة، وهي مليئة بالثقة، بملامحها الشمعية، وابتساماتها المصطنعة، ومشاعرها المزيفة، كان ترمب متحفزاً، ومستعداً، على عكس مناظرته الأولى، فواجهها بما يشبه التقريع في ملفات كثيرة، أهمها استخدامها لبريدها الإلكتروني الشخصي في العمل الرسمي، عندما كانت وزيرة للخارجية، وهي الجريمة التي كان هناك ما يشبه التواطؤ في عدم ملاحقتها، من قبل وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، إذ تطرق ترمب لكل ذلك، ووعد بأنه سيعين مدعياً خاصاً، وسيلاحق هيلاري، في حال انتخب رئيساً، بل ويدخلها السجن، وفي تقديري، ورغم استطلاعات الرأي، أن ترمب فاز في المناظرة الثانية، إذا أخذنا في الاعتبار الظروف المصاحبة التي مرت بها حملته. بعد المناظرة، واصل الإعلام حملته الشرسة على ترمب، وأؤكد هنا على أن ترمب وهيلاري هما أسوأ مرشحين للرئاسة، ربما عبر التاريخ الأمريكي، إذ جرت العادة أن يكون أحد المرشحين سيئاً، لكن أن يكون كلاهما سيئاً، فهذا أمر غير مسبوق، وقد كتبت كثيراً عن انحياز الإعلام لهيلاري كلينتون بشكل فاضح، ففي الوقت الذي يلاحق كل قضية تخص ترمب، نجده يتجاهل كل ما يخص هيلاري، مع أن سجلها مليء بذلك، مثل تعاملها العنيف مع عشيقات زوجها، وعلاقتها المشبوهة بالمؤسسات المالية، وفضيحة بريدها الإلكتروني، التي تعتبر جريمة فيدرالية بامتياز، وقد تصنف على أنها خيانة وطنية، ولعل كل ذلك أخرج ترمب من طوره، فمنذ المناظرة، وهو يهاجم الإعلام، وهيلاري، وحزبه الجمهوري، فهو الآن يعتمد على قاعدته الجمهورية الشعبية، وهي شريحة واسعة، وغاضبة، ومتعصبة له بشكل كبير، وبالتالي لا يمكن الجزم تماما بفوز هيلاري منذ الآن، فالفترة المتبقية قد تشهد تطورات لا يتوقعها أحد، فهناك تسريبات ويكيليكس المتعلقة بهيلاري، ولعلي أذكر القارئ الكريم بانتخابات رئاسية سابقة، حدثت خلالها مفاجآت، في الأيام الأخيرة، قلبت الأمور رأساً على عقب، وآخرها انتخابات عام 2004، بين بوش الابن، وجون كيري، والمؤكد هو أن هذه الانتخابات تاريخية، وغير مسبوقة، لا لجاذبية شخوصها وأحداثها، بل لأنها الأسوأ، ولكن لا بأس، فهي انتخابات تشبه أمريكا 2016، أي أمريكا باراك أوباما، وترمب، وكيري، وهيلاري، فلنتابع أحداثها، خصوصاً سلوكيات المرشح، الذي لا يمكن التنبؤ بما سيفعل: دونالد ترمب!