كانت ولاّدة بنت المستكفي تكتب هذا البيت على ثوبها وتفاخر به.. وولادة هي بنت الخليفة الأموي محمد بن عبد الله الملقب ب (المستكفي بالله). كانت أميرةً وشاعرة أندلسيةً أصيلة شقراء حسناء فاتنة اللحظ قوية الحضور، أنيقة الهندام والمظهر محبةً للهو والعبث متحررة خلعت الحجاب لأول مرة في تاريخ الأندلس. استوقفتني قصتها مع بن زيدون وكيف كان العشق والحب وكيف أصبح، لفتت مشاعري كثيراً وهذا ما جعلني أحب الكتابة عنها رغم بعض الغموض الذي كان يلف قصتها وكثرة الأقاويل عنها، إلا أنني وبعد بحثي وقراءتي عن سيرتها الشعرية استطعت أن أروي شغفي وأجد كل ما يملأ فضولي. بزغ نجم ولاّدة بعد موت أبيها وفتحت أبواب قصرها منتدى يتهافت عليه الوزراء والعظماء والأدباء والشعراء، وممن كان يرتاد منتداها بن زيدون الذي هام بها حباً وهامت به وبدأت علاقتها تتوثق ب بن زيدون.. وعن لقائهما الأول كتبت ولادة لابن زيدون بعد إلحاحٍ منه مقابلتها بعيداً عن أعين الناس: قضت ولاّدة مع حبيبها بن زيدون أجمل وأروع سنوات الصبا وعنفوان الشباب، لكن من كان يصدق أنه وبعد كل هذا العشق يتحول الحب إلى كُره والعشق إلى بُغض.. فلقد كان لولاّدة جاريةً حسنة الصوت في الغناء ويبدو أن بن زيدون قد مال قلبه إليها وأحبها، وهذا ما جعل ولادة تستشيط غضباً وحنقاً على بن زيدون وبعثت إليه: وفي قول آخر أن بن زيدون قد انتقد ولادة في بيتٍ لها وقد ساءها ذلك وحدثت القطيعة، وسنحت الفرصة للوزير عامر بن عبدوس الذي كان منافساً وخصماً لابن زيدون في استمالة قلب ولادة ونجح في ذلك، وانصرفت ولادة في حبها الجديد نكايةً بابن زيدون الذي حاول جاهداً تقديم اعتذاراته ليستعيد حبه بلا فائدة، ولم تستمع له ولاّدة ولم تكن ترد على رسائله وأقفلت قلبها عنه، ولم يرقّ فؤادها له بعد كل ما كان بينهما من حب.. ولأن ابن زيدون أخذ يسخر من الوزير بن عبدوس الذي فاز بحب ولادة.. نجح بن عبدوس في تدبير مؤامرة لإبعاد بن زيدون وسجنه.. ويقضي بن زيدون سنوات ثقال في سجنه المظلم يناجي حبيبته ولادة ويعتصر ألماً على فراقها وشوقاً إليها.. وينجح بن زيدون في الهرب من سجنه ويعيد محاولاته لاستعادة حب ولادة ويرسل لها (نونيّته) الشهيرة: ومنها أيضاً: لم تجبه ولادة ولم تعد لها أخبار بعد أن اعتزلت الناس واكتفت بصلتها بابن عبدوس، وماتت ولادة في سن الثمانين وفي رواية أخرى أنها تجاوزت المئة عام، ومات ابن زيدون في الستين من عمره وكلاهما لم يتزوج.. رحلا وتركا خلفهما قصة استثنائية محمومةً بالحب والغيرة والمؤامرات.. في أدب الحب: لا يجوز الخروج على القلب.