في الجنوب يصف آباؤنا كل فتاة عذبة الروح، وحلوة الكلام، حتى لو لم تكن طاغية الجمال، ب «مملوحة»، ولا أدري هل يُستخدم هذا الوصف في مناطق أخرى أم لا يستخدم؟ ولذلك دائماً ما أتخيل أن ولّادة بنت المستكفي كانت بالفعل مملوحة بنات الأندلس دون منازع، ولا يعنيني جمال وجهها وجسدها في شيء طالما أن مقادير ملح وسكر الخيال على أحسن ما يكون. ولادة بنت المستكفي هي فتنة شعبٍ وثقافة قبل أن تكون ملهمة شاعر متيم، وعصر ولادة لا يقارن بما قبله أو ما بعده، وربما هي خلاصة صبايا الأندلس المملوحات مجتمعات؛ أما ابن زيدون فقد كان هو المعبر الطموح، والمتمكن، عن ذلك العصر «الأبهة»، والتعويض المناسب والمستحق لكل الهاربين من فوهة الصحراء. اليوم في عقل كل شاعر عربي صورة لولادة بنت المستكفي، وفي جيبه محاولة نونية كتلك التي لابن زيدون، ولكن دون خصوبة ولا روح ولا اخضرار، وبالطبع دون ملح أو نكهة؛ حتى أصبحنا على وشك كراهية النونية البديعة بسبب الشعراء الذين يتدفقون على طريقة (أحب الصالحين …)!! ولادة تحرك خيال الشعر قديماً وحديثاً، وسيرتها تستدعي الذباب متفاوت القدرات لأن يتكاثر حول العسل، ولو علمت بنت المستكفي أن قصيدة حبيبها ستجهز عليها بهذا الشكل السافر لما كوته بعشقها، ولما سمحت لهواها أصلاً أن يفوح خارج القصور وصالونات الأدب الأندلسي. قصة ولادة وابن زيدون مغرية بكل تفاصيلها؛ الأندلس نفسها هي فردوسنا المفقود كما أخبرنا الصالحون في المدرسة؛ لكن كتابة مزيد من النونيات سيحول الأمر برمته إلى مأساة.. أرجوكم توقفوا فوراً فأغلبكم يذكرنا بابن القلاسي وابن عبدوس!!