تكريم 850 طالبًا وطالبة بتعليم الطائف    جامعة حائل تستضيف بطولة ألعاب القوى للجامعات    توقيع شراكة بين جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وجمعية هجر الفلكية    الشيباني: الأكراد تعرضوا للظلم وحان بناء دولة المساواة بين السوريين    صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    استشهاد 10 فلسطينيين في جنين    500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2748.58 دولارًا للأوقية    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    الاتحاد والشباب.. «كلاسيكو نار»    اعتباراً من 23 رجب.. حالة مطرية «سابعة» تترقبها السعودية    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    دوري" نخبة آسيا" مطلب لجماهير النصر    في الجولة 18 بدوري" يلو".. الباطن في مواجهة العين.. وأحد يصطدم بالحزم    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    أبواب السلام    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    الرياض تستعد لمؤتمر«ليب»    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    تأملات عن بابل الجديدة    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    ضبط تسع شركات استقدام مخالفة    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    بيع المواشي الحية بالأوزان    الرئيس ترمب.. و«إرث السلام»!    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    دهن سير الشهرة بزيت الزيتون    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    فهد بن محمد يرأس اجتماع «محلي الخرج»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالعزيز بن مشعل    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضْحى التَّنائي
نشر في شبرقة يوم 08 - 06 - 2008


أضْحى التَّنائي
للشاعر الأندلسي إبن زيدون
شبرقه - إختيار عوض الدريبي :
ترجمة الشاعر* :
هو أبو الوليد أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي القرشي الأندلسي القرطبي،أحد الشعراء المبدعين في العصر الأندلسي ، أجمع العديد من النقاد أنه أحد شعراء الطبقة الأولى من بين شعراء العصر الأندلسي وأحد المشكلين للتراث الثقافي في عصره ، أجاد إبن زيدون في قصائده فظهر بها جمال الأسلوب ورقة المشاعر والموسقى الشعرية ، وكانت قصائده صورة من حياته السياسية والعاطفية ، وقد شبهه بالبحتري ، وتميز إبن زيدون بشعر الغزل ، فعُرف شعره بالرقة والعذوبة والصور الشعرية المبتكرة. قال عنه الدكتور شوقي ضيف (كان ابن زيدون يحسن ضرب الخواطر والمعاني القديمة أو الموروثة في عُملة اندلسية جديدة ، فيها الفن وبهجة الشعر وما يفصح عن أصالته وشخصيته).
ولد إبن زيدون في الرصافة إحدى ضواحي قرطبة سنة 394ه الموافق 1003 م ، كان والده قاضياً وجيهاً عُرف بغزارة علمه وماله ، توفي عندما كان أحمد مايزال في الحادية عشر من عمره فتولى جده تربيته.
أخذ إبن زيدون العلم في بداية حياته عن والده ، فكان يحضر مجالس أصحابه من العلماء والفقهاء ، ثم أتصل بشيوخ عصره وأخذ العلم عنهم ، ومنهم النحوي الراوية أبو بكر بن مسلم بن أحمد والقاضي أبو بكر بن ذكوان
عُرف إبن زيدون بثقافته الواسعة وكثرة إطلاعه ، الأمر الذي أنعكس على قصائده التي ظهرت من خلالها ثقافته التاريخية والإسلامية .
أما جده لأمه فهو أبو بكر محمد بن إبراهيم ، لقب بصاحب الأحكام ، وهو لقبٌ كان يطلق على من يشتغل بالفقه والقضاء.
نشأ أبن زيدون في فترة تاريخية حرجة ، فبعد ولادته بخمس سنوات نشأ ما عرف ب (عهد الفتنة) هذه الفتنة التي ظلت مشتعلة لعدد كبير من السنوات حتى كانت وفاة أخر خليفة أموي، فكانت قرطبة ساحة للمواجهات الدامية بين كل من البرابرة والعامريين والأسبان، نشأ بعد الفتنة دويلات صغيرة عرفت بدول الطوائف.
وعلى الرغم من كل هذه الأحداث إلا أن النشاط الأدبي كان في أوج ازدهاره، وعرفت قرطبة كمدينة للهو والطرب والأدب، وظهر ابن زيدون في هذه الفترة فكان يخالط الأمراء والعلماء، ويجلس في مجالس العلم، وقد صادق الملوك والأمراء فكان صديق لأبو الوليد بن جهور.
تعلم إبن زيدون في جامعة قرطبة ، أهم جامعات الأندلس في زمانه إذ كان يفد إليها طلاب العلم من الممالك الإسلامية والنصرانية على السواء ، لمع بين أقرانية ، وتميز عنهم بالشعر الذي كان سبباً في تعرفة بفراشة عصره ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الذي عُرف كما قال أبو حيان التوحيدي : " بالتخلف والركاكة، مشتهرًا بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة" وعلى النقيض منه كانت إبنته "ولادة" جميلة مثقفة شاعرة ، يقول صاحب (الدر المنثور) عن ولادة : (وكانت نهاية في الأدب والظرف ، قيل أنها في المغرب ك علية إبنة المهدي العباسي في المشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن ، وأما الأدب والشعر والنوادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها ، ولها نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء) وكان لها مجلس بقرطبة يضم أشهر مثقفي وشعراء عصرها ، ومنهم ابن زيدون الذي أحبها حبًّا ملك عليه حياته، وأحبته هي أيضًا، وعاشا معا في سعادة أيامًا، قبل أن يظهر الوزير أبو عامر بن عبدوس في حياتهما ، إذ أستطاع أن يستولي على قلب ولادة ، مستغلاً ظروفاً سياسية شارك فيها إبن زيدون مع إبن جهور ضد خلافة بني أمية المهترئة ، الأمر الذي جعل ولادة تميل إلى إبن عبدوس ، الذي لم تجد فيه ماكان لها في إبن زيدون ، وقد ترك ذلك أثراً عميقاً في نفس إبن زيدون ، تبلور في قصائد عتاب ولوم ، وتذكير بما مضى ..
وحاول ابن زيدون كثيراً إبعاد ولادة عن ابن عبدوس ، والتفريق بينهما ، واستعادة الأيام الجميلة الماضية ، لكنه فشل في ذلك ، وفي إحدى محاولاته تلك كتب رائعته النثرية (الرسالة الهزلية) التي يقوم فيها بذم إبن عبدوس والسخرية منه على لسان ولادة ، الأمر الذي زاد من غضب ولادة وزاد من بعدها عن إبن زيدون ، وقد كان لقصة حبه لولادة دور كبير في شحذ خياله الفني ، وأثرت بشكل واضح في إبداعه وخياله وشعره
وكان إبن زيدون قد إتصل ب (بني جهور) حكام قرطبة وتمكن من نيل مكانة متميزة عندهم نظراً لعلمه وثقافته ولأنحداره من بيت جاه وشرف ، فكان يحظى بمكانة عالية لديهم إلى أن أوقع إبن عبدوس بينهما فزج به إبن جهور في السجن ، وأثناء سجنه كتب إبن زيدون رسالته النثرية الرائعة (الرسالة الجدية) لإستعطاف أبي الحزم إبن جهور ، والتي تعد من روائع النثر العربي ، وكتب العديد من القصائد لإستعطاف (ابو الحزم بن جهور) حاكم قرطبة ليفرج عنه ، ومما قاله :
مَن يَسأَلِ الناسَ عَن حالي فَشاهِدُها=مَحضُ العِيانِ الَّذي يُغني عَنِ الخَبَرِ
لَم تَطوِ بُردَ شَبابي كَبرَةٌ وَأَرى=بَرقَ المَشيبِ اِعتَلى في عارِضِ الشَعَرِ
قَبلَ الثَلاثينَ إِذ عَهدُ الصِبا كَثَبٌ=وَلِلشَبيبَةِ غُصنٌ غَيرُ مُهتَصِرِ
ها إِنَّها لَوعَةٌ في الصَدرِ قادِحَةٌ=نارَ الأَسى وَمَشيبي طائِرُ الشَرَرِ
لا يُهنَىءِ الشامِتَ المُرتاحَ خاطِرُهُ=أَنّي مُعَنّى الأَماني ضائِعُ الخَطَرِ
هَلِ الرِياحُ بِنَجمِ الأَرضِ عاصِفَةٌ=أَمِ الكُسوفُ لِغَيرِ الشَمسِ وَالقَمَرِ
إِن طالَ في السِجنِ إيداعي فَلا عَجَبٌ=قَد يودَعُ الجَفنَ حَدُّ الصارِمِ الذَكَرِ
وَإِن يُثَبِّط أَبا الحَزمِ الرِضى قَدَرٌ=عَن كَشفِ ضُرّي فَلا عَتَبٌ عَلى القَدَرِ
ما لِلذُنوبِ الَّتي جاني كَبائِرِها=غَيري يُحَمِّلُني أَوزارَها وَزَري
مَن لَم أَزَل مِن تَأَنّيهِ عَلى ثِقَةٍ=وَلَم أَبِت مِن تَجَنّيهِ عَلى حَذَرِ
كما كتب قصائد أخرى لإبن (حاكم قرطبة) أبو الوليد بن أبي الحزم ليتوسط لدى أبيه ، وكان أبو الوليد يحب ابن زيدون ، لكن وساطته لم تنفع ، فهرب ابن زيدون من السجن ، واختبأ عند بعض أصدقائه في إحدى ضواحي قرطبة وظل يرسل المراسيل إلى الوليد وأبيه حتى تمَّ العفو عنه ، فلزم أبا الوليد حتى تُوُفِّيَ أبو الحزم وخلفه أبو الوليد الذي ارتفع بابن زيدون إلى مرتبة الوزارة.
أثناء ذلك كله لم يَنْسَ ابن زيدون حبه الكبير لولادة التي أهملته تمامًا ، فجعله أبو الوليد سفيرًا له لدى ملوك الطوائف حتى يتسلى عن حبه بالأسفار وينساه ، لكن السفر زاد من حب ابن زيدون لولادة وشوقه إليها ، فعاد إلى قرطبة.. وما لبث أن اتهم مرة أخرى بالاشتراك في محاولة قلب نظام الحكم على أبي الوليد بن جهور الذي غضب عليه ، فارتحل ابن زيدون عن قرطبة وذهب إلى بلاط المعتضد بن عباد في أشبيلية ، وهناك لقي تكريمًا لم يسبق له مثيل ، ثم زادت مكانته وارتفعت في عهد المعتمد بن المعتضد بن عباد ، الذي عينه مستشاراً له وسفيراً لعدد من الدول المجاورة ، وتولى منصب (كاتب المملكة) والذي كان يعد من أهم المناصب ، وتولى الوزارة ، وعُرف بلقب (ذي الوزارتين)
ودان له السرور وأصبحت حياته كلها أفراحًا لا يشوبها سوى حساده في بلاط المعتمد أمثال (ابن عمار) و (ابن مرتين) اللذين كانا سببًا في هلاكه في الخامس عشر من رجب سنة 463 هجرية ؛ إذ ثارت العامة في أشبيلية على اليهود فاقترحا على المعتمد إرسال ابن زيدون لتهدئة الموقف ، واضطر ابن زيدون لتنفيذ أمر المعتمد رغم مرضه وكبر سنه ، مما أجهده وزاد المرض عليه فدهمه الموت عام 1071م.
ظل ابن زيدون حتى آخر يوم في حياته شاعرًا عاشقًا ، فبالشعر عشق ، وبالشعر خرج من السجن ، وبالشعر نال حظوظه من الحياة .. ولم ينس أبدًا ذكرى ولادة وأيامه الجميلة معها .. وقد كانت حياته المتقلبة ، وحبه الكبير لولادة بالإضافة إلى أعماله الشعرية والنثرية المتميزة موضوعات لدراسات وإبداعات كثيرة.
ومن أهم أعمال ابن زيدون الباقية للآن غير أشعاره هما (الرسالة الجدية) التي استعطف فيها ابن جهور ليخرجه من السجن ، و (الرسالة الهزلية) التي كتبها على لسان ولادة ذمًّا في ابن عبدوس حبيبها الجديد ، وهي الرسالة التي زادت الهوة بينه وبين ولادة وعجلت بابن عبدوس ليزج به في السجن .. وقد بقيت هاتان الرسالتان وقصيدة (أضحى التنائي) علامة على الموهبة الكبيرة والثقافة المتنوعة التي تميز بها ابن زيدون في أعماله الشعرية والنثرية على السواء.
ولذلك عُد حبه لولادة من أهم أحداث حياته ، وقد الهمه الكثير من شعره وأخذ منه كل مأخذ وعدت قصيدته (أضْحى التَّنائي) من أصدق ما قيل في الحنين ومن أبلغها أثراً في النفس.
وهي :
أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا=ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا
ألا ! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا=حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا
مَن مُبْلِغُ المُلْبِسينا ، بانْتِزاحِهِمُ=حُزْناً ، مع الدّهْرِ لا يَبْلى ويُبْلينا
أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا=أُنْساً بِقُرْبِهِمُ ، قد عادَ يُبْكينا
غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا=بأَنْ نَغَصَّ ، فقال الدّهرُ آمينا
فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا=وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا
وقدْ نَكونُ ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا=فاليَومَ نحنُ ، وما يُرْجى تَلاقينا
يا ليت شِعْري ، ولم نُعْتِبْ أعادِيَكُمْ=هل نالَ حظّاً من العُتْبى أَعَادينا
لم نَعْتَقِدْ بَعْدَكُم إلاّ الوفاءَ لَكمْ=رَأْياً ، ولم نَتَقَلَّدْ غيرَهُ دَينا
ما حَقُّنا أن تُقِرُّوا عينَ ذي حَسَدٍ=بِنا ، ولا أن تُسِرُّوا كاشِحاً فينا
كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ=وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا
بنْتُمْ وبِنّا ، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا=شوقاً إلَيْكُمْ ، ولا جَفَّتْ مآقينا
نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا=يَقْضي علينا الأسى لو لا تَأَسِّينا
حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا ، فغَدَتْ=سوداً ، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا
إذ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تَألُّفِنا=ومَرْبَعُ اللَّهْوِ صافٍ مِن تَصافِينا
وإذ هَصَرْنا فُنونَ الوَصْلِ دانِيَةً=قِطافُها ، فَجَنَيْنا منهُ ما شِينا
ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فما=كُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا
لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا=أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا!
واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاً=مِنْكُمْ ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القَصْرَ واسْقِ بِهِ=مَن كان صِرْفَ الهوى والوُدِّ يَسْقينا
واسْألْ هُنالِكَ : هَلْ عَنّى تَذَكُّرُنا=إلْفاً ، تَذَكُّرُهُ أمسى يُعَنِّينا
ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا=من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا
فهل أرى الدّهرَ يَقْضينا مُساعَفَةً =مِنْهُ ، وإنْ لم يَكُنْ غِبّاً تَقَاضِينا
رَبِيْبُ مُلْكٍ كأَنَّ اللهَ أنْشأَهُ=مِسْكاً، وقدَّرَ إنْشاءَ الوَرَى طِينا
أو صاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً ، وتَوَّجَهُ=مِن ناصِعِ التِّبْرِ إبْداعاً وتَحْسينا
إذا تَأَوَّدَ آدَتْهُ ، رَفاهِيَةً=تُومُ العُقودِ ، وأَدْمَتْهُ البُرَى لينا
كانتْ لهُ الشّمسُ ظِئْراً في أَكِلَّتِهِ=بلْ ما تَجَلَّى لها إلا أَحايِينا
كأنّما أُثْبِتَتْ ، في صَحْنِ وَجْنَتِهِ=زُهْرُ الكواكِبِ تَعْويذاً وتَزْيِينا
ما ضَرَّ أن لم تَكُنْ أكْفاءَهُ شَرَفاً=وفي المَوَدَّةِ كافٍ من تَكافينا؟
يا رَوْضَةً طالما أَجْنَتْ لواحِظَنا=وَرْداً ، جَلاهُ الصِّبا غَضّاً ، ونِسْرينا
ويا حَياةً تَمَلَّيْنا ، بزَهْرَتِها=مُنىً ضُروباً ، ولذّاتٍ أَفَانِينا
ويا نَعيماً خَطَرْنا ، مِن غَضارَتِهِ=في وَشْيِ نُعْمى ، سَحَبْنا ذَيْلَهُ حينا
لَسْنا نُسَمّيكَ إجْلالاً وتَكْرُمَةً=وقَدْرُكَ المُعْتَلي عنْ ذاكَ يُغْنينا
إذا انْفَردْتَ وما شُورِكْتَ في صِفَةٍ=فَحَسْبُنا الوَصْفُ إيْضاحاً وتَبْيينا
يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا ، بسِدْرَتها=والكَوْثَرِ العَذْبِ ، زَقُّوماً وغِسْلينا
كأنّنا لم نَبِتْ ، والوَصْلُ ثالِثُنا=والسَّعْدُ قد غَضَّ مِن أَجْفانِ واشِينا
إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ=في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا
سِرَّانِ في الخاطِرِ الظَّلْماءِ يَكْتُمُنا=حتى يَكادَ لِسانُ الصّبْحِ يُفْشينا
لا غَرْوَ في أنْ ذَكَرْنا الحُزْنَ حينَ نَهَتْ=عَنْهُ النُّهى ، وتَرَكْنا الصَّبْرَ ناسينا
إنّا قَرَأْنا الأسى ، يومَ النَّوى ، سُوَراً=مكتوبَةً ، وأَخَذْنا الصَّبْرَ تَلْقينا
أما هَواكَ ، فَلَمْ نَعْدِلْ بِمَنْهَلِهِ=شُرْباً وإن كانَ يُرْوينا فَيُظْمينا
لم نَجْفُ أُفْقَ جَمالٍ أنتَ كوكَبُهُ=سَالِينَ عَنْهُ ، ولم نَهْجُرْهُ قالينا
ولا اخْتِياراً تجنَّبْناهُ عن كَثَبٍ=لكن عَدَتْنا على كُرْهٍ ، عَوَادينا
نَأْسى عَلَيْكَ إذا حُثَّتْ ، مُشَعْشَعَةً=فينا الشَّمولُ ، وغَنَّانا مُغَنِّينا
لا أكْؤُسُ الرَّاحِ تُبْدي مِن شَمائلِنا=سيما ارتِياحٍ ، ولا الأَوْتارُ تُلْهِينا
دُومي على العَهْدِ ، ما دُمْنا، مُحافِظَةً=فالحُرُّ مَن دانَ إنصافاً كما دِينا
فما اسْتَعَضْنا خَليلاً مِنْكِ يَحْبِسُنا=ولا اسْتَفَدْنا حَبيباً عنْكِ يَثْنينا
ولو صَبا نَحْوَنا ، مِن عُلْوِ مَطْلَعِهِ=بَدْرُ الدُّجى لم يَكُنْ حاشاكِ يُصْبِينا
أبْكي وَفاءً ، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً=فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا ، والذِّكْرُ يَكْفينا
وفي الجَوابِ مَتاعٌ ، إن شَفَعْتِ بِهِ=بِيضَ الأَيَادي ، التي مازِلْتِ تُولِينا
عليْكِ مِنّا سَلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ=صَبابَةٌ بِكِ نُخْفيها ، فَتُخْفينا
*****************************
* أضيفت ترجمة الشاعر ونبذة عن حياته ومسيرته ؛ بعد تعليق الدكتور حسين الدريبي الذي أستشفينا منه أهمية إدراج هذه الترجمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.