أصبحت العاصفة الثلجية على أشدها، والخيمة التي تأويهما بالصحراء قد باتت بغمضة عين تتلاعب بها أجنحة الرياح العاتية فتارة تعلو أروقتها وتارة تهبط بشدة فتزلزل الأرض فزعا ورعبا ومع كل حركة تحدثها تتسارع دقات قلبها الشارد نحو العد التنازلي والهلاك المؤكد إلا بمعجزة يكتبها الله لهما. رباه رحمتك يارباه مالنا سواك.. لسانها يلهج بالدعاء بمساعدة شفتيها الجافتين بتلك التمتمات ثم يتقاطر جبينها عرقا رغم الصقيع. بدأت زخات المطر تمتطي صهوة الريح وكأنها سهام مصوبة إليها فقط، ثم تصفع جوانب الخيمة بعنف مصحوبة بحبات البرد الذي كانت تبتهج مع صويحباتها أيام الطفولة بقدومه. أغمضت عينيها فلن تصمد طويلا هذه الخيمة المتآكلة سيجري بها السيل عبر الوادي وتسجل قريبا في عداد الغارقين وربما في سجلات المفقودين بعد أن تطمرها المياه وسط الوحل والطين وربما تتمزق إربا بعد ذلك، سالت دماء شفتها السفلى وأسنانها تحكم القبضة الفولاذية عليها بلا شعور بأي ألم. أمها وأبناؤها ماذا سيكون شعورهم عند تلقي الخبر ومتابعته عبر الصحف، وزوجها المسكين الذي خرج لسيارته قرب الخيمة المشؤومة لإحضار الحطب وإشعال النار ما مصيره!! اصطكت أسنانها وتلعثم لسانها وتسارعت أنفاسها وهي تتخيل مقرها الأخير وسط التراب والظلمة وفراشها الأخير الذي تسكنه لوحدها بلا أنيس. فجأة حلق الرواق عاليا وهي تلتحف بطانية مشبعة بالرطوبة بزاوية مظلمة فتسلل إليها البلل، لاشك أن خيمتها قد تحولت لقارب وسط الوادي، رطوبة المياه قد جمدت أطرافها، ستموت لا محالة بعد صراع مع الموت دون أن يشعر بها أحد. أخذت تردد الشهادة وتقنع نفسها بمواجهة الموت وهي تسد أذنيها التي اخترقها دوي الرعد وشتت تركيزها صفير الريح وصوت المطر الذي بدأ يساعد في إعداد جنازتها ثم حملها بسرعة. تحسست البلل بيد مرتجفة فلامست أناملها المرتعشة جسدا صغيرا غضا قد تكور بجانبها يبحث عن الدفء بفراشها الوثير بعيدا عن اللحاف، يرتجف من برودة التكييف وحوله دائرة كبيرة متعرجة من ال... .. آه؟ أطلقتها.. بارتياح وكأنها تقول: هانت المصيبة تعال بحضني يا صغيري، رغم البلل!!