فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقيقة
قصة قصيرة
نشر في الرياض يوم 11 - 11 - 2010

لم تتسع نفسه لكل ذلك الفرح الطفولي الذي تغشاه منذ أن امتلك الكرسي الثمين النادر، شاركته زوجته المبتهجة لابتهاجه الفرح، وتقافز أطفاله حول الكرسي ينشدون قصيدة افعمته بكل نشوة تمناها في ذلك اليوم.
بدت زوجته رائعة وهي تجلس على الكرسي، مدّ نظرة صامتة إليها وكأنه اكتشف فيها شيئاً جديداً وبعد أن قامت من الكرسي تناوب الأطفال الجلوس عليه، وبدأ الشجار والنزاع بينهم، أيهم يجلس أطول وقت ممكن.
في بادئ الأمر نهرهم بصوته الأجش، فتفرق جمعهم وتقرفصت أصواتهم، ولما خلا له المكان بسط جسده على الكرسي وراح يفتعل الانسجام ويتمنى الأماني.
في ليلة ساكنة قاربته زوجته وأوحت إليه بصوت ذليل: الكرسي سيتلف إذا لم نعهد له مكاناً خاصاً يحميه من الأعين قبل الأيدي.
التفت نحوها وسهم واجما للحظات، رمى بعدها بثقل رأسه إلى الفراش وغط في نوم عميق. وفي صباح اليوم التالي أعلن بصوت مهيب أن الكرسي له وحده لا شريك له به، وأن من يجرؤ على النظر إليه أو لمسه فلن يسلم من عقابه.
بهجت زوجت بهذا القرار الذي سيعتقها من ملازمة الكرسي والحفاظ عليه من كل يد عابثة.
وهكذا ظل الرجل مهاباً في بيته وأكثر هيبة إذا جلس على الكرسي في وسط أطفاله يرمقونه بحذر ووجل وهو يفتعل - كعادته - الانسجام والهيام.
وفي احدى جلساته أمال برأسه أسفل الكرسي فهاله ذلك الصدأ الذي بدأ ينخر الكرسي، وبدا له أن طول مكث الكرسي، سيجعله لقمة هنيئة لتراب الأرض.
قرر رفع الكرسي على منصة خشبية في قلب البيت، وقرر أيضاً منع نفسه من الجلوس عليه أو الاقتراب منه حفاظاً عليه من التلف.
فرحت زوجته بهذا القرار الذي سيعتقها من ملازمة نظافة الكرسي والحفاظ عليه.
* * *
وبعد وقت طويل أخذت الألسنة تتقاذف الكلمات الموجعة، كانت كلمات قاتلة لم يصمد جسده المهتز المتوتر أمامها، كان يردد كلماتهم معهم كثيراً وأحياناً دون وعي منه.
فقائل: الكرسي أكبر معلم من معالم مدينتنا.
وقائل: لا يمكن للكرسي أن يكون حكراً على شخص واحد..
وقائل: الكرسي الآن ملك للجميع..
تعددت الأقوال وكثرت روائح أفواههم وربما كان بعضها مخيفاً كريهاً.
ولما أحس بمكرهم ذهب إلى زوجته وخفة ترهق عقله وقلبه. قال لها بصوت مسكين:
ماذا يمكن أن نعمل؟ لا أريدهم أن يأخذوه مني..
تطلع في وجهها ليرى مدى تعاطفها مع كلماته ولما أحس أن عينيها فترتا أكمل:
لن أحيا إذا فرطت في كرسي أجدادي.
قالت بصوت خافت:
أنت الآن في أشد الحاجة إلى المال، أعرضه عليهم بثمن عال.
اهتز بدنه، وارتعشت شفتاه لهذا الرأي الأرعن، طاف حول الكرسي وكلمات مبعثرة تتساقط من فمه دون أن يحس بها أو يعي معانيها.
تعالت الأصوات المطالبة بوضع الكرسي في وضع ميدان المدينة كرمز تراثي، فيما استطاع هو أن يتلذذ بفقره وعوزه وعزلته مادامت عيناه تتلذذان برؤية تحفته وإرثه الغالي، وهكذا ظل إلى أن مات دون أن يفرط بكرسيه.
بعد موته نسجت حوله حكايات وأقوال صدقها أناس وأنكرها آخرون، ولم تعرف الحقيقة الكاملة، فقائل يدعي أنه رآه بعينه يهذي بكلمات لا تصدر عن عاقل، وآخر يقسم أنه قال له قبل موته بيومين أنه سيضع حداً لحياته خوفاً من أن يعيش يوماً واحداً وقد سلبوا منه الكرسي وأقوال أخرى لم تصمد كثيراً بعد موته.
* * *
جلس حفيده على الكرسي بين أبنائه، و،راح يقص عليهم سيرة جدهم الذي عاش ومات في سبيل الحفاظ على هذا الكرسي، كانت لهجته متقلبة غير مفهومة وأحياناً عنيدة، فتارة تخبو لهجته حتى يظن أبناؤه أن والدهم يكاد يذوب تعاطفاً مع جدهم، وتارة تعلو لهجته وتتضخم فيميل الأبناء برؤوسهم بعيداً عن وجه أبيهم وكأنهم اقترفوا اثماً.
أما إذا استقرت لهجة أبيهم وبدأت أكثر هدوءاً وانسياباً فإن العجب يستأنس بعقولهم من شدة صبر جدهم وقوة تحمله. وكيف أنه رفض المال الذي كان بحاجة إليه معلياً عليه سبيل حفاظه على هذا الكرسي.
كان والدهم يراقب بعين ذئب ذلك الاعجاب الذي ظفر من أعين أبنائه، اعتدل في جلسته وكأنه يتهيأ لكلمة جديدة، طاف برأسه كاملاً بين أعين أبنائه، قرب رأسه إلى وسطهم تقريباً وقال بلهجة خافتة متشككة.
يجب أن نتفهم حالته النفسية في ذلك الوقت..
رفع رأسه بعد هذه الكلمات ليرى مدى استجابتهم لقوله، أكمل وكأنه يكلم نفسه:
والناس لازالوا يتذكرون هذا الكرسي ولن يدعونا حتى يأخذوه وينصبوه في وسط المدينة.
فز الابن الصغير من مكانه القصي، وتصدرت كلماته الهوجاء وسط المجلس وهو يقول:
هذا عظيم يا أبي.. إنه رمز حقيقي لنا ولبلادنا ويجب أن نفعل ذلك.. أدار الأب رأسه، ركز بصره نحو بقية ابنائه الذين ابتلعوا ألسنتهم وصمتوا. أكمل الابن الصغير وكأنه يتذكر أمراً جديداً.
وهكذا نكون قد حافظنا على أمانة جدنا..
تعمر وجه الأب وقال بغضب سافر:
أصمت. صمت الجميع، وبعد برهة مشحونة بنظراتهم المبعثرة ما بين فم والدهم وبين كلمات أخيهم المتهورة، أدار الأب رأسه نحو الابن الصغير. وقال بلهجة صارمة:
يجب أن نحرق الكرسي.
علت همهمات كهديل حمام لا يعرف مصدرها بالتحديد.
أكمل:
إذا أطعناهم، وجعلناهم ينصبونه في وسط المدينة لم يكن رمزاً إلا على جهل جدكم وسيعيروننا بجهله ما حيينا، لأنهم لن ينسوا الماضي مادام هذا الكرسي ينتصب بين عيونهم.
طاف برأسه مستجلباً كلمة من أحدهم، فلما عدمها، أكمل وكأنه يهمس:
صباح الغد سنجمع حطباً ونحرقه هنا، دون أن يشعر أحد حولنا صمت الجميع، وكلماته تخرج من جنوبهم دون أن يرفعوا رؤوسهم.
ومع إشراق شمس النهار الجديدة كانت سحب من بخور عبق تملأ صدر سماء المدينة. تجمع الناس حول البيت الذي اشتعل برائحة البخور الزكي وكل عام يمر، يعلو البيت شيئاً فشيئاً إلى أن انتصب رمزاً في وسط المدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.