يقترب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية التي يعدها العراقيون وكذلك المراقبون بأنها ستكون انتخابات فاصلة، ليس لأنها تحدد وضع الدكتاتور العراقي الجديد نوري المالكي، بل لزيادة الاحتقان في المجتمع العراقي نتيجة للاحتقان الطائفي والتدخل السافر من قبل نظام ملالي إيران الذين يكادون يحددون من الآن من يجب أن يفوز في هذه الانتخابات، وبالتالي من يحق له تشكيل الحكومة العراقية القادمة. التدخل الإيراني الذي لا يمكن إخفاؤه صبغ العمل السياسي باللون الطائفي وأصبحت الأحزاب التي ولدت في إيران هي من تقود العمل السياسي، ولأنها ذات مرجعية طائفية فقد نفذت برامج مذهبية إقصائية انعكست سلباً على باقي المكونات الطائفية والعراقية، وسايرتها أحزاب أخرى ذات لون طائفي مضاد وأحزاب عرقية، وإن انحصرت حتى وقت قريب بالكرد والتركمان، إلا أن مؤشرات بدأت تظهر في العراق من توجه عصبيات عرقية أخرى لتكوين تكتلات حزبية أو كتل انتخابية كالسريان والشبك واليزيدية والفيلية من الكرد، في حين أخذت العشائر العربية تنشط لإيجاد موقع متقدم لشيوخها في المشهد السياسي، وهو ما يظهر بوضوح في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين والبصرة، وهو ما جعل الوضع السياسي في العراق متداخلاً بين الاتجاهات الطائفية والعرقية، وهذا ما أضعف التحرك النشط للأحزاب المدنية وذات البعد الوطني والتي لها تاريخ عريق وحضور قوي منذ قيام الدولة المعاصرة، وهو ما جعل حزباً طائفياً كالدعوة يتفوق على الحزب الديمقراطي الذي أنشأه كامل الجادرجي في الخمسينات، وتتلاشى تقريباً الأحزاب القومية وتحل محلها الأحزاب ذات الواجهة الدينية، وهذا ليس قصراً على الأحزاب الطائفية الشيعية كالدعوة «حزب نوري المالكي»، والثورة الإسلامية «عمار الحكيم»، والأحرار «مقتدى الصدر»، بل تعدى ذلك للمكون السني الذي يعد الحزب الإسلامي «الإخوان المسلمين» الواجهة السياسية لهم. وهكذا، فإن الأحزاب الطائفية والتكتلات العرقية بما فيها القوائم التي ستخوض الانتخابات البرلمانية تعد من الناحية التصنيفية تجمعات طائفية وعرقية، ولا تعد مكونات حزبية سياسية بالمعنى التنظيمي والفكري للأحزاب المدنية التي تضم أعضاء من جميع المكونات الإثنية والمذهبية، ولهذا فإن قادة ورؤساء هذه الكتل حتى وإن ادعوا بعدهم عن الممارسات الطائفية، فهم يكرسون العمل الطائفي ويعملون على إقصاء المكونات الطائفية الأخرى، وهو ما ظهر بوضوح في أعمال الأجهزة المرتبطة بنوري المالكي من قضاء وأمن ومفوضية الانتخابات التي أقصت العديد من الرموز السياسية السنية. في ظل هذا الاحتواء الطائفي والعرقي للعمل السياسي في العراق تبقى الانتخابات البرلمانية العراقية خاضعة للانتماءات الطائفية والعرقية، ولهذا فإن البرامج الانتخابية والمهرجانات التي يقيمها المرشحون وتصريحاتهم جميعاً ذات نفس طائفي وعنصري، وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً هو: هل ما يجري في العراق الآن عملية ديمقراطية سليمة؟! وإذا ما اعتبرنا أن الممارسة الديمقراطية هي ما يريده الناخبون أصحاب الحق في تسيير العمل السياسي، يجعلنا والعراقيون والمراقبون يتساءلون عن مخرجات هذه المسيرة الديمقراطية المشوهة، وهل تعزز حكومة طائفية استناداً إلى فوز الكتل الطائفية... وهل يفلح نوري المالكي في البقاء على رأس السلطة، أم التحالف الطائفي ضده سيزيحه عن هذا المقعد.