استوت بعد المئات ونيَّفت يا نوَّارة.. هذه النداءات لكِ سفرٌ من البوح في ثلاث عشرة سنة ..، وإلى مزيد.. قلتُ يكون بيننا الحديث صامتا لا جاهراً بعدها..، غير أن هناك، وهنا من يصغون قد كانوا معنا..، حين أفاق منهم على هدوء الصمت بيننا..، ووحشة الوحدة دون التراتيل التي تردد صداها في المكان كلَّ خميس لكِ.. قالوا أسمِعي وأنتِ تكتبين لها..،!! قولي فنصغي إليكِ معها..، حدثيها لنقرأ حديثكما..، اكتبي فندون نحن.. « لكِ وحدكِ « لم يعد سطورا لكِ أنتِ وحدكِ يا كاتبة،.. وليس لها وحدها التي تنادين..، هو لي، ولها، ولهم، وله، ولهما.. ولهن.. وحين يكون الحديث إليك من فيض ما تركتِ يا نوارة .. تنبسط سطور العمر، وتُتلى الحكايات،.. تُنقر طرقات الأبواب، وتُفتح الصحف، .. تعود العروق تتراكض فيها ذرات النهر الذي حفرتِه..، ثم سيَّرتِ جداوله.. إذن أنتِ كلُّ الأمهات اللائي لم يغادرن، وبقين على قارعة الدروب بوصلةً، ومفتاحا، ومصباحا.. فالأم التي حين تموت لا تموت، .. وبما صنعت تنوف..، وبما تركت ترافق..، وبما لم تُهمِلْ تجازى..، وبما بنت تتمادى..، وبما غرست تدوم.. . هي المصباح في نور والعتمة حين تكون نور العتمة، ونور الضلالة، معا في متاهات الحياة وهي تتكالب بمن فيها،.. وبما فيها لتمثل حكمة الذي خلقها دارا للغرور ..، فيما جعل مثلكِ فيها محضنا للأمان ..، نغرف منه ما حيينا، ونسقي منه ما عطشنا، ونستدفئ به ما بردنا، ونبرد به ما احتررنا، ونفرح به ما حزنا، ونضحك به ما بكينا.. ونستظل به ما تعرت الحياة قيظا، وزمهريرا.. الأعزاء قرائي وقارئاتي ، من خصني برجاء، وسألني عن النداء، وبات يرافقني التدوين، ويشاركني في حقها اليقين.. هذه لكم ما سألتم عن هذه السطور لها.. هذه قطرات من نهرها .. وجذوة من قبس نورها، .. وصوت لا يخفت من وهج مسارها.. هي لكم عنهن عندكم، من غادرنكن وبقين، .. وهن في الدروب يلوحن لكم بالبوصلة..، والمصباح.. لهن وحدهن عصارة الروح ..، ومنتهى ما في الذاكرة..، وأجمل ما في الذائقة.. وأعدكم بنشر هذا السِّفر ليكون بين أيديكم إن شاء الله، وفاء لما تريدون..!