كان يمد ذراعيه في كل اتجاه ،عله يلتقط مصباح أحلامه ، يضئ جوانب العتمة في نفسه ، ونسي أن أيدينا مهما استطالت فإنها أقصرمن أن تبلغ المدى الذي تسافر إليه العيون .! كان عليه أن يدرك ، وهو يقف بلا حراك ، أن كل مضمار مهما قصر يحتاج إلى قدمين.! مؤلم أن لا تجد نفسك في عينيْ من تحب ، تشعر وأنت في منتهى (القرب) من الناس بوحشة الغربة ، وسطوة القسوة ، واجتياح (الاحتياج ) .! * * * أغضي عامدا عن نظراتها العاتبة ، وكان إطراقه المرتبك يقول لها : " أنا آسف .. إنها المرة الأولى التي أخذلك فيها .. أحيانا نخذل أحب الناس إلينا لأننا ننشد لهم ظروفا أفضل ، وحياة أجمل ، من تلك التي عشناها ".! أشاحت بوجهها ، وحلّقت بعينيها عبر نافذة الحائط : " ليس عليك أن تجد مبررا لانسحابك .. انسحب وكفى " .! ربما قالت أيضا : " حتى أنت يا بروتس " ؟! حسنا ، لوكان السيد (بروتس) هنا لوبخني (بالإنجليزي) ، ولشتمته أنا (بالعربي) ، يكفي المذكور أعلاه خزيا أنه ذهب في التاريخ مثلا .! بعضكم قال الآن : " مالنا ومال بروتس " ؟! الحق معكم .. ليس (بروتس) أول من غدر ، ولن يكون آخر ( الغدّارين ) !! وهاهو (محرم فؤاد) يصرخ من أوائل الستينيات : " غدااارين .. مش بقول لك غدارين ؟! ولسه بتقول هما مين ؟! أتأسف وأعتذر لمحرم فؤاد : " خلاص .. خلاص يا أستاذ .. ما يهمّنا همّا مين .. هوّ نحنا ناقصين " ؟! * * * أحيانا يجتاحنا طوفان الكلام ، فنتشبث بآخر قشة من مبررات الصمت الخانق ، نتنفس به تحت الماء ، ونغرق .. نغرق .! ومهما استبدت البحار ، ومهما طغى الماء وأغرق الجزرالصغيرة الحالمة ، فإنها تتفجر عيوناً لتبوح بسرها المكنون : الصبّ تفضحه عيونه .. وتنم عن وجد شؤونه .. إنا تكتّمنا الهوى ، والداء أقتله دفينه .! يهتاجنا نوح الحمام وكم يحركنا أنينه .. قست القلوب فهل لقلبك يا حبيبي من يلينه ؟! هنا ذوّب (رامي) الصبابة وصبها صبا ، ليرفع أهداب الجفون عن أحاديث العيون التي لا تخفى على الشعراء ، فهم الذين شغفوا وولهوا ، وهاموا في كل أودية الشعر ، يغزلون وينسجون ، بعد أن شيدوا لبيت القصيد صدرا وعجزا .! * * * هل يصبح الإفصاح عن الود خطيئة؟ هل نطفئ البسمة من وجوهنا؟ وهل نواري في الضحى مشاعر الإنسان ؟! أقول : يحدث هذا حين يطغى (سوء ظننا) على (اليقين) ، ونفقد الإحساس بالبراءة .!