سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طالب المسلم بالتفقه فيما يجب عليه من أمور دينه ويسأل أهل العلم فيما يشكل عليه... د. أحمد المباركي عضو هيئة كبار العلماء ل( الجزيرة ): الزكاة من فرائض الإسلام ومن جحد وجوبها كفر وخرج من دائرة الإسلام
أوضح معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي سير المباركي عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتوى أن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله في أكثر من ثمانين موضعاً مما يدل دلالة بينة على عظم هذه الفريضة وعلو شأنها في هذا الدين. وأكد معالي د. أحمد المباركي في حديث ل» الجزيرة « أن الزكاة حق واجب في مال مخصوص يخرجه المسلم لأصناف معينة في وقت محدد، وهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام كما تظاهرت على ذلك دلائل الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، أي: ذلك التوحيد والإخلاص وما بعده من الشرائع هو الدين المستقيم الموصل إلى رضا الله وجنات النعيم، وما سواه من الطرق فتؤدي إلى غضب الله وعذاب الجحيم وقال جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال جل جلاله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، وقال سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. وأضاف د. المباركي إن الزكاة قرينة الصلاة في السنة وذلك في مواضع كثيرة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم»، وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:»أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»، وفي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم»، وفي الصحيحين أيضاً عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» والأحاديث في هذا المقام لا يمكن حصرها. ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء أن هذا الأمر يتضح لكل مسلم له أدني بصيرة بأن الزكاة أمرها عظيم، وأنها من فرائض الإسلام التي لا يستقيم إسلام بدونها وأنه يجب على كل مسلم ومسلمة يملك مالاً زكوياً أن يبادر إلى إخراج زكاته كلما وجب عليه براءة لذمته وتحقيقاً لإيمانه وتصديقاً لإسلامه. وقد أجمع المسلمون على فريضة الزكاة، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام فمن جحد وجوبها فقد كفر وخرج من دائرة الإسلام، كما دلت الآيات والأحاديث المتقدمة، لهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة المسلمين المانعين لها وقال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة). وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة في وعيد من لم يخرج زكاة ماله أو انتقص منها شيئاً، قال الله جل وعلا: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ. وثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (أي: حية ذهب شعرها لكثرة السم) له زبيبتان يطوَّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمَتيه (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا ماُلك، أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية. وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنه، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إما إلى النار»، قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقرٍ (أي: أرض مستوية) أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار». قيل «يا رسول الله فالبقر والغنم ؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار». الزكاة ليست ضريبة وأوضح معالي د. أحمد المباركي أن الله سمى هذه العبادة بالزكاة، لأنها تطهر المال من الدنس وتطهر النفس من الشح والبخل، كما قال الله جل وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، وهي مواساة وإحسان على الخلق وامتحان للغني حيث يتقرب إلى الله بإخراج شيء من ماله المحبوب إليه رجاء في ثوابه وخوفاً من عقابه، فالزكاة ليست ضريبة ولا عقوبة تنقص المال وتضر صاحبه بل هي تزيد المال بركة ونمواً كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما نقصت صدقة من مال»، ومن حكمة الله في تشريعه أنه لم يوجب الزكاة في كل ما يملكه ويقتنيه الإنسان، وإنما أوجب الزكاة في أموال مخصوصة تحتمل المواساة ويكثر فيها النمو والربح، ولذلك لا زكاة فيما يسكنه الإنسان من المنازل ويركبه من المراكب ويقتنيه من الأثاث ويستعمله من الحيوان وما يأكله وما يشربه وما يلبسه ولله الحمد، وإنما تجب الزكاة في أموال مخصوصة وهي الذهب والفضة، وأنواع محددة من الحبوب، والثمار، وبهيمة الأنعام، وعروض التجارة، والورق والنقدي داخل في الذهب والفضة كما هو مقرر عند العلماء، ولكل ذلك شروط وتفاصيل عند أهل العلم. تمحو الخطايا والذنوب وأشار معاليه أن للزكاة آثاراً طيبة كثيرة سواء على الفرد أو المجتمع، ففي جانب الفرد المسلم فالزكاة تحقق إيمانه وتزيده من تقربه من الله كالشأن في سائر الطاعات، ومنها الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي أعده الله للمزكين والمتصدقين قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، وقال سبحانه: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. وقال عليه الصلاة والسلام: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يأخذها بيمينه ثم يريبها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل». والزكاة والصدقات عموماً يمحو الله بها الخطايا والذنوب، وكم هي حاجة العبد إلى ما يمحو ذنوبه وخطاياه، وفي الزكاة والصدقات من انشراح الصدر وتعويد للنفس على البذل والسخاء وزرع روح الرحمة والعطف والشفقة على الخلق والمعوزين، والراحمون يرحمهم الله، وفي الزكاة والصدقات انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب مالا يجده البخيل المقتر على عياله وعلى غيره من فقراء المسلمين، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد كلما همَّ المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت حتى يجر ثيابه ويعفي أثره، وكلما همَّ البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه، وفي الزكاة دفع لحاجات الفقراء وغيرهم ممن تدفع لهم الزكاة، وفيها إزالة للأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع فالفقير لا يحقد ولا يحسد الغني والغني لا يحتقر ولا يزدري الفقير ولا يمنعه حقه، فتحصل المودة والوئام التراحم والتكافل بين المجتمع، وفي الزكاة تنمية وتكثير للأموال وتحريك للعمل فيما أباحه الله وبسط وتوسعه للأموال ينتفع بها كثير من الناس، ولا تكون دولة بين الأغنياء. وأكد د. المباركي في ختام حديثه بأنه من الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتفقه فيما يجب عليه من أمور دينه وأن يسأل أهل العلم فيما يشكل عليه، وأن يُخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه وأن يوصل هذه الزكاة على مستحقيها وأن يبادر إلى إخراجها تقرباً إلى الله ورجاء لمغفرته ورضوانه وخوفاً من سطوته وعقابه، وأسأل الله لنا ولجميع المسلمين البصيرة في دينه والاستقامة عليه حتى نلقاه.