الثقافية - علي بن سعد القحطاني: بنى الروائي مقبول العلوي روايته الأولى (فتنة جدة) على نص تاريخي للرحالة لويس بوركهارت عن فتنة جدة 1814م وكانت روايته تلك رواية تاريخية صرفة إلا أنه منحى الرواية الاجتماعية في روايته الصادرة حديثا (سنوات الحب والخطيئة) وناقشت موضوعات حساسة جدا على المجتمع وفي لقاء للروائي مقبول العلوي مع (الثقافية) تحدث إلينا عن تلك الرواية التي كتبها في حدّية صارخة مع المجتمع ولم يكن يتوارى حول الحجب، مع التركيز على الإثارة في اختيار عناوين رواياته، وانتقاءه للمفردات في كتابة النص الإبداعي كما تحدث مقبول العلوي عن قصور النقاد في قراءة ومتابعة الروايات الحديثة وصار نقدهم انتقائيا يخضع للمعرفة الشخصية والشللية وأشار إلى استفادته من ثلاث دراسات نقدية تناولت عمله أبرزها ما كتبه الناقد والشاعر الدكتور يوسف العارف.. التصنيف * في روايتك الأولى (فتنة جدة) استندت إلى مصادر تاريخية من نص الرحالة لويس بوركهارت عن فتنة جدة 1814م ومزجت الحقيقة بالخيال وروايتك الأخيرة (سنوات الحب والخطيئة) تنحو منحى الرواية الاجتماعية..ما الفرق الذي لمسته بين الروايتين ؟ - الفرق كبير حيث إن الرواية التاريخية تستند في حبكتها إلى الوقائع التاريخية الموجودة في بطون الكتب ولكن يجب أن يخرج الروائي المتناول لحدث تاريخي من عباءة المؤرخ حتى لا يكرر بما جاء به المؤرخون لأن المؤرخ يهتم بالدرجة الأولى وبتجّرد من الأحداث والوقائع التاريخية وأما الروائي فنجد أن الحدث التاريخي والنزعة الذاتية للمؤلف والخيال كلها إرهاصات تسير جنبا إلى جنب مع الحدث التاريخي أثناء إعادة صياغته روائيا، وبالنسبة للشق الثاني من السؤال من كون أن روايتي الثانية «سنوات الحب والخطيئة» قد نحت الجانب الاجتماعي فإنني أوافقك الرأي ولا حيلة لي في التصنيف حيث إن الرواية هي في الواقع التي تستدعي كاتبها ليكتبها بعد أن تتشرّبها روحة وتصبح هاجسا يؤرقه ومن ثم يحوّلها إلى عمل إبداعي مكتوب سواء كان على شكل رواية أو قصة.. الخطوط الحمراء * ناقشت روايتك (سنوات الحب والخطيئة) موضوعات حساسة جدا على المجتمع هل كنت قادرا على المواجهة أم تتوارى حول حجب الأسطر والكلمات..وتدع القلم يكتب ما يشاء؟ - لو لم أكن قادرا على المواجهة لما كتبت هذه الرواية ولا التي سبقتها ولصرفت النظر عن الكتابة بشكل عام، اتفق معك أن الرواية ناقشت موضوعات قد يصعب الكلام عنها بشكل مباشر وأعتقد أن مهمة الروائي هو أنه يشير إلى مكامن الخطأ والوجع أو إلى ما يشغل الناس بشكل عام ثم ينتهي دوره هنا ويترك للمختصين معالجة تلك الموضوعات كل حسب اختصاصه فلا يمكن له أن يقوم بكل الأدوار ولو قام بكل الأدوار دفعة واحدة لأصبح فعله ذلك نوعا من الادعاء والكذب ولجاءت معالجته مبتورة وناقصة.. الإثارة * ما زلت تركز على الإثارة في اختيار عناوين رواياتك.. كما أنك مزجت الشعر بالسرد في الرواية الأخيرة.. برأيك هل انتقاء الروائي لمفرداته تجعلها شاعرية حالمة تبعده عن الواقع المعايش الذي ينشد مجتمعه مناقشة قضاياهم بلغة يومية دارجة؟ - العنوان هو العتبة الأولى لأي عمل إبداعي وطبيعي أن أهتم بعنونة أعمالي الروائية بشكل جاذب للقارئ ولكن بدون ابتذال ومن أبسط الشروط أن يكون عنوان العمل منسجما من العمل ككل. أما من حيث إنني مزجت الشعر بالسرد في روايتي سنوات الحب والخطيئة فهذا القول لا يمكن الاعتداد به، فأنا متذوق للشعر الجيد ولست بشاعر ولم أعد أشعر به في أيامنا هذه بعد أن تم ابتذال الشعر في الآونة الأخيرة وأصبح كلّ من رصف كلمات وراء كلمات شاعرا بين يوم وليلة وإذا أردت أن استمتع بالشعر فإنني أعود إلى دواوين الشعراء الحقيقيين الذين قتلهم التسامي لا ابتذال المشاعر والأحاسيس مئات المرات وقتلتهم الكلمة والحرف أيضا قبل أن يسكبوها شعرا يمس شغاف القلوب أعود إلى دواوينهم سواء كانوا شعراء معاصرين أو قدامى ولن أذكر الأسماء فهي أكثر من أن تحصى. انتقاء * برأيك هل انتقاء الروائي لمفرداته تجعلها شاعرية حالمة تبعده عن الواقع المعايش الذي ينشد مجتمعه مناقشة قضاياهم بلغة يومية دارجة؟ - أبدا غير صحيح فالروائي الذي يهتم بمفرداته اعتبره من وجهة نظر شخصية كاتب يعتني بعمله ويوليه اهتمامه ورعايته مما يجعل من القارئ يستمتع بالقراءة ويستمع أكثر بالوقع الرائع للمفردة الجميلة، فبالإضافة إلى الحبكة والأسلوب وكل أوعية السرد هذه فإنها في النهاية تتكامل مع بعضها لكي تنتج شيئا يستحق أن يقرأ. والمفردة الرائعة لا تبعد لا القارئ ولا المبدع عن الواقع على العكس فهي قد تكون إشارات مبهجة ووقفات مفرحة تسعى إلى التخفيف من فجاجة الواقع أحيانا وتشعرك بالنشوة والمتعة. واللغة اليومية الدارجة سلاح ذو حدين فهي قد يفهم معناها في مجتمع ما وقد لا تفهم وتكون مبهمة في مجتمع آخر والمبدع في النهاية يهمه أن يصل إبداعه إلى أبعد مدى ممكن لذا فمن المستحسن أن تحتوي اللغة الفصيحة عملك ليكون مفهوما داخل وخارج الحدود. نقاد * برأيك، كيف تجد تناول النقاد للرواية؟ - حقيقة لم يعد النقد لدينا يستوعب الحركة الإبداعية فهي سبقته بمراحل وأصبح النقد في الوقت الحالي - إذا جاز لنا أن نسميه نقدا- انتقائيا يخضع للمعرفة الشخصية وللشللية، وظهر في الآونة الأخيرة أنصاف كتّاب فشلوا في كتابة القصة أو الرواية فتركوها جانبا أو هي تركتهم بمعنى أصح بعد ما عجزوا في الاستمرار وخانهم الإقناع والقدرة على الإبداع وتفرغوا للكتابة النقدية الهشة لبعضهم البعض لإنتاجهم الهزيل من باب التلميع و»اكتب عني وأكتب عنك» وتعدوا بعد ذلك إلى التنقيص والسخرية من إبداع الآخرين. وهذا النقد إن وجد فهو في الغالب يكون نقدا انطباعيا بحتا لا يخضع لمقاييس النقد الأكاديمية ولا يستند إلى أدواته الذي يعرفها المختصون والتي من المفروض أنها تشرّح النص تشريحا منطقيا وليس انتقائيا يخضع للأهواء الشخصية. وبالنسبة إلى روايتي «سنوات الحب والخطيئة» فهي لم تكمل عامها الأول بعد فقد تعرضت إلى حوالي ثلاث دراسات نقدية أبرزها ما كتبه الناقد والشاعر الدكتور يوسف العارف وقد استفدت منها جدا لدرجة إنني قمت بتسجيل بعض نقاط وردت في مقاربته النقدية التي نشرت في إحدى الصحف المحلية لكي أعود لها فيما بعد للمزيد من الاستفادة.. الرمز * لجأت إلى الرمز في نقد الأوضاع المحبطة للمجتمعات العربية، هل ما يزال الروائيون يخشون الرقابة الذاتية وربما الرسمية أيضا؟ - لست أول روائي لجأ إلى الرمز فهناك روائيون كبار ربما من أشهرهم جورج أوريل في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوان» وعبد الرحمن منيف لجأ للرمز وجمال الغيطاني كذلك وهناك الكثير من الكتّاب لجؤوا إلى الرمز في إبداعاتهم وكل من يتعاطى الكتابة يلجأ إلى الرمز إما بشكل عفوي أو مقصود فالتلميح قد يكون أمضى سلاحا من التصريح وقد يكون أبلغ للقارئ وللسامع، ومن ناحية خشية الروائيين للرقابة الذاتية والرسمية فهذه مسألة نسبية في المقام الأول وتختلف من شخص إلى آخر حسب ثقافته وتكوينه وانسلاخه من التصنيم والقولبة فهناك روائيون يصرّحون فتفشل رسائلهم من الوصول للمتلقي وبعضهم يلمحون وتصل رسالتهم لكل ذي لبّ والعكس صحيح أيضا، وما بين التصريح والتلميح تلمح مدى قوة الرسالة ودرجة تأثيرها. أما بالنسبة للرقابة الرسمية فيجب أن تلغى فهي لم تعد مجدية في زمن الواقع الافتراضي وأدواته الذي جرف الكل في تياره الهادر من تويتر وفيسبوك ويوتيوب فبإمكانك أن تحصل على عشرات الكتب الممنوعة والأحداث واللقاءات المصورة بضغطة زر في جهاز الكمبيوتر وما يبقى فقط هو الرقابة الذاتية المسؤولة والفاعلة التي تطمح إلى التغيير بأسهل الطرق وأكثرها إقناعا.