\" طالبان \" في مدارسنا لقاء مع مؤلف رواية ( حقول طالبان ) - رواية ( حقول طالبان ) الطبعة الاولى 1429ه - 2008م - عدد الصفحات 447 - الناشر : فراديس للنشر والتوزيع - المؤلف الاستاذ عبدالعزيز السليم - بريد المؤلف : [email protected] يُسعد صحيفة عاجل ( بالاشتراك مع منتديات صوت بريدة ) أن تلتقي الأستاذ عبد العزيز السليم مؤلف رواية ( حقول طالبان ) هذه الرواية التي تقدم قراءة لمشهد سياسة ومناهج التعليم في وزارة التربية والتعليم , تسبُر فيه أغوار الظواهر السلبية المتفشية في البيئة التعليمية ، وكيف أن الكوادر التعليمية عطلت العقل الإداري والإبداعي فأصبحت كالآلات الجامدة لا تتحرك إلا في محيط البيروقراطية حيث لا صوت يعلو فوق صوت التعاميم ، و أن التفكير العلمي الإبداعي لا يجد كبير احتفاء في الوسط التعليمي ، و أن الحوار حينما يدور بين المدرسين في الإدارة مثلاً \" بوصفها أفضل من يعكس الصورة الحقيقية للمدرسة \" يتحول إلى حرب ضروس ترتفع فيه الأصوات وتنتفخ الأوداج وتحمر الأوجه فتكرّس من خلاله النزاعات وتشيع الضغينة و تعم البغضاء ، و الضحية في نهاية المطاف طلبة أصبحوا كالعابرين بلا سبيل ، لا يعلمون كيف يختارون و إلى من ينحازون ! لقد أصبحت عقول الطلبة حقولاً لزراعة واستنبات التطرف ، إما باتجاه العصرنة و الولع بكل ما ينسب للثقافة الغربية ، أو باتجاه تكريس العقلية الطالبانية , بكل مشهدها الصارخ الذي ينتهي إلى العنف و الإقصاء و التدمير للإنسان و للدين المتسامح في غمرة هذا التصعيد الروائي السعودي ، صدرت ( حقول طالبان ) كحدث هادئ يسبر جنبا إلى جنب مع غيره من إصدارات كتَّاب تدب فيهم روح الإبداع ، منتظرا دوره من الاحتفاء الذي يستحقه كأحد الأعمال الحديثة التي نتأمل بمثلها مكاناً متقدماً للرواية المحلية في سلّم الرواية العربية , لكن هذا العمل الذي هو الأول لمؤلفه يخفي في طياته براكين من الجدل ومن نوع خاص ، لقد مارس الكاتب سلطته كروائي فطوّع الشخصيات و قاد دفة الأحداث بقوة لغوية زانها كثافة المفردات القرآنية و إيراد الأدلة و أقوال الأئمة بدقة باحث حين يتناول مسائل فقهية خلافية ، كما عجَّت الرواية بعناوين كتب و أسماء علماء ومفكرين و مشاهير ، و طرح بعض العلوم وناقش أهميتها في مكان قلما عاشته الرواية العربية وهو المدرسة , العالم الموازي للدنيا كما توازيه ( الحارة ) . تفتح تلك المعزوفة السردية نافذة واسعة سعة الأفق لتطلعنا على هذا العالم الخفي في مجتمعنا والذي تصطرع فيه التيارات الأيديولوجية والأهواء الإنسانية بشكل سافر ينبهنا إلى أن المجتمع عالم من عوالم مخفية عن أنظارنا .. إن رواية \" حقول طالبان \" ليست مدرسة وليست معلم وليست مدير و ليست نص يتناول ارتجالية العمل التعليمي ، إنها الحياة وعالم الدولة و صراع بين السلطة السياسية والسلطة الدينية ، وأرضية تنبت عناصر مشربة بروح التطرف الإنساني عامة ، ولقاء مع مؤلفها (عبد العزيز السليم ) لا يغني عن ثرائها وتنوعها لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .. أجرى الحوار / أ -عبد العزيز السويد وأ- محمد السعيد - هذا التصعيد الروائي في صدور كم رائع من الروايات السعودية في زمن متقارب ما سببه ؟ - في البداية أشكر صحيفة عاجل الرائعة والسابقة لكل جديد ومفيد ، الشكر أيضاً لمنتديات صوت بريدة , شكرا جزيلا على هذه الثقة التي منحتموني للحديث عن هذا العمل الجديد الذي آمل أن يطرح في المكتبات السعودية قريبا. إجابة على سؤالك أقول لا يمكن إبداء سبب لإشكالية مثل صدور هذا الكم الروائي الذي أخالفك في وصفه ب (الرائع ) ، وإنما هناك أسباب متعددة منها الحرية النسبية وتشجيع دور النشر للكاتب السعودي للعائد المادي الذي تكسبه ، واختراق الكاتب الشاب الكثير من التابوهات المحرمة ، وكذلك اطلاع هذا الجيل على فن الرواية القصيرة بعد رحيل وغياب نقاد الشعر الذين احتكروا الترويج لهذا الفن على حساب هذا الجنس الأدبي . وكذلك ارتباط القصة بفن السينما والمسلسلات . وهناك سبب مهم وهو إغراء الكتابة مقارنة بفن الشعر الذي يشترط مقومات فنية لا يجيدها أي متطفل على عالمه ، فالرواية والقصة فن حكائي يستطيعه كل من أراد الكتابة ، لكن المشكلة من يستطيع إقناع القارئ بالقيمة الفنية والفكرية والصياغة الراقية.. هذا هو السؤال .. - يقول الروائي والقاص فهد العتيق في مقال له في صحيفة الحياة تحت عنوان (الروايات السعودية بين الافتعال... والالتزام بالفن ) يقول الأستاذ فهد ( تقدم روايات سعودية قليلة - صدرت أخيراً - نموذجاً ليس متحققاً تماماً ، لكنه اليوم يكسر قاعدة روايات التكلف والافتعال - لغة وموضوعاً - التي ظلت سمة رواياتنا منذ عقدين حتى الآن ، هذه النصوص الروائية الصغيرة في حجمها والكبيرة في أحلامها الإنسانية والاجتماعية ، والتلقائية في أدائها السردي ، ذهبت بنا نحو سلاسة وعفوية مفقودة في روايتنا المحلية ، وهي في ذهابها الهادئ والعذب هذا مالت بنا نحو عتبة أدبية جديدة ) هل فعلا قدمت الروايات الجديدة بعداً جديداً للذائقة الروائية أم أن كل صاحب كار يمتدح كاره وصنعته ومهنته ؟ - في الحقيقة الروايات الجديدة مالت بنا نحو عتبة جديدة كما يقول الكاتب ، وأدخلتنا فضاء جديدا ، وعرفت القارئ السعودي العادي على فن لم ينتشر كما انتشرت المقالة أو الشعر أو التمثيل ، لكن تلك المرحلة لم تصل مرحلة النضوج كطبيعة بدايات الأشياء ، فنحتاج إلى سنوات للوصول إلى مرحلة النضج الفني - كان المجتمع السعودي فيما مضى مجتمعاً مغلقاً ، والمعلومات السياسية والاجتماعية والثقافية عن هذا المجتمع غير متاحة أو قليلة وصعبة المنال ، وعندما حاولت الرواية السعودية من الذكور والإناث تصوير جوانب من هذا المجتمع الذي كان منغلقاً ، تسارع القراء لشراء هذه الروايات لمعرفة ما يدور داخل هذا المجتمع المتنوّع التركيب , لكن لماذا اغلب هذه الروايات تحدثت عن مجتمع الحاضرة واهملت باقي التركيبات الاجتماعية مثل البدو والفلاحين ؟ - أغلب الروائيين إن لم يكن كلهم – حسب علمي – كانت رواياتهم عن عالم المدينة ، أما عن البدو والفلاحين فلم يتطرق لتلك الفئة إلا كتاب المسلسلات التلفزيونية . وأعتقد أن المجتمع السعودي لم يكن مختبئا بتلك الدرجة ، وإنما المسألة أن الروائي السعودي أسمع صوته واعترف أمام العالم بما يجري وتحدث عن ممارساته بعد أن كانت طي الكتمان ، وكثير من الناس والمفكرين نعرف عنهم توجهات أيديولوجية وأخلاقية معينة لكن عندما يعترف الواحد منهم بشيء ما تجده يثير جدلا واسعا مع أن كتاباته تتضمن تلك الرؤية - هل فعلاً كشفت الروايات السعودية الحديثة أشياء عن مجتمع الصمت وقدمت إحداثيات لبنية المجتمع السعودي وما يمور تحت سطح قشرة المجتمع الخارجية , أو أن الروايات بالغت في التوصيف , أم هي لم تقدم ولو واحد بالمائة عما يحدث حقيقة في أتون المعاش اليومي للناس في المجتمع السعودي ؟ - من حق الكاتب المبدع أن يبالغ لأن فن الأدب طبيعته المبالغة ، ويجب ألا نأخذ ما يقوله الروائي بالمسطرة والفرجار ، وإنما نأخذ كتاباته على أنها فن نستمتع بجمالياته ، والكاتب لا يحاكم إبداعه كما يحاكم كاتب المقالة لأن الإبداع مادة عائمة وهلامية – إن صح التعبير- لا تستطيع إثبات قناعات الكاتب من عدمها ، وتلك إشكالية بعض الذين يحاولون محاكمة كثير من الكتاب لا يدركون معنى الفن وأنه يجوز فيه ما لا يجوز في غيره خاصة في مجال القصة والرواية . - الطفرة الروائية السعودية الجديدة هل هي ظاهرة سليمة ؟ - لا أستطيع الحكم وإنما أنا سعيد بهذا الحراك الثقافي مع ضعفه وهزاله وطغيان الضجيج الإعلامي على الفن الحقيقي ، لكن مجتمع بهذا الثبات والقحط المعرفي وغياب الفن و الإثارة الثقافية يجعلنا نسعد بكل تحرك علمي و إبداعي ، والمهم أن نعمل ونفعل حتى لو ارتكبنا حماقة المهم أن نكون في الاتجاه الصحيح - هل كان المجتمع السعودي محتاج إلى كل هذا البوح والتفكير بصوت مسموع ليكشف عن نفسه , وانه مجتمع إنساني , وليس ملائكي , يحدث فيه ما يقع في المجتمعات الإنسانية الأخرى , من رذائل وفضائل ؟ - طبعا وبكل تأكيد ، ومن يقول بأننا مجتمع ملائكي فهو مختل عقليا فنحن بشر يعتورنا ما يعتور بقية خلق الله . وأكثر ما نفتقده المنطق وممارسة الثقافة العقلانية التي لا تتعارض مع الشريعة والثوابت الكبرى اليقينية . وبصراحة نحن نمارس عنصرية بطريقة أو أخرى في تعاملاتنا مع الآخر والثقافات الأخرى ، ولو تأملنا ، ليس المحدثين ، وإنما نبينا عليه الصلاة والسلام في ممارساته الحياتية وتأملنا حياته بشكل عقلاني ودون تحيزات مؤدلجة وأهواء لعرفنا النبراس الذي شرعه لنا في حياتنا كلها بدءا بالعلاقات الإنسانية والممارسات الشخصية والشرعية . وأريد من هؤلاء الذين يرفعون شعار (ليس بالإمكان أفضل مما كان ) أن يخرجوا عن محيطهم الضيق ويوسعوا أفقهم قليلا ويلحظوا كيف تمارس المجتمعات الأخرى ثقافاتها وحياتها وقوانينها وحقوقها الشخصية ليعلموا ويدركوا أنهم في دركات سفلى من الأخلاق اللاإنسانية التي يمارسونها ضد المرأة والطفل والغير ممن يخالفهم في الرأي والجنس .. - تقول القاصة رقية الشبيب أن إحسان عبد القدوس وغادة السمان ، يبدوان محافظين ، إزاء جرأة الروائيات السعوديات « ما لم أستطع أن أتجاوزه في ما تكتبه بعض الروائيات ، ذلك الانفتاح الذي لا يمكن تقبله في المجتمع العربي بعامة، فما بالك بمجتمع محافظ كمجتمعنا؟ إحدى الروائيات قرأت لها مصادفة روايتين صدرتا في لندن ، صورت فيهما المجتمع السعودي كأنه مجتمع سيئ السمعة ، ووصفت بدقة متناهية وبما لا يخطر على بال إحسان عبد القدوس في زمانه » هل فعلا بالغت الروايات الجديدة في تصعيد الكشف الفضائحي للمجتمع السعودي , واتت على تابو المقدسات والمحرمات ( المرأة والجنس والدين ) .؟ - أتفق مع الكاتبة والفرق بين إحسان عبد القدوس وغادة السمان وبين كتابنا الجدد أن الفئة الأولى قد أقبل ما يكتبون لأن كتاباتهم في سياق ثقافي رصين وقاموا بشرط الفن وقدموا الرواية بأصولها التقنية بغض النظر عن المعاني التي يسوقونها ، فالمسألة فن أو لا فن ، فلا يهمني ما تقول والأهم أن تتحفني بقيمة فنية راقية .. - ريمة الخميس في مقالها الذي تناولت فيه روايتك ( \" حقول طالبان \" زهورها ألغام ) والذي نشر في المجلة الثقافية لصحيفة الجزيرة بتاريخ 15- 4 – 1429ه ، تقول : ( الهدف أو الغاية أو المهمة يضعنا وسط فيض من الاجتهادات التي قد تبدو متضاربة بدرجة أو أخرى، بين أصحاب الوظيفة الاجتماعية للفن ، وبين أنصار رفعة الفن وترفعه إلى أن يكون في ذاته غاية، فن من أجل الفن.. تلك المقولة التي وجدت جاذبيتها الساحرة منذ قدماء المنظرين فيما قبل الميلاد وحتى اليوم، وإلا فما هو الهدف الاجتماعي لمعزوفة تشجينا دون أن ندري سبباً محدداً لهذا الشجن؟، لكنه من العدل أن نعترف أن فناً من أجل ذاته لا ينبغي أن يكون مطروحاً إلا في ظرف تاريخي بلغ فيه الفن ذروته ، ونحن ما زلنا بعيدين عن تلك الذروة..! ) ألا تعتقد أن النظر إلى الأصول التقنية للرواية بغض النظر عن المعاني ، يجب أن يكون في الزمن الذي يبلغ فيه الفن ذروته ، وليس زمن الثبات وغياب الفن ، زمن القحط المعرفي كما أسميته ؟ - يقول ابن خلدون \" إن آخر ماينهض في أي حضارة من الحضارات هو الفن ، وعندما تسقط أي حضارة من الحضارات فإن أول مايسقط هو الفن \" ، فالفن عموما ومنه الرواية يحتاج إلى غطاء حضاري لينهض ومقومات لا تكتمل إلا في ظل الرقي الحضاري ولا أدل على فن السينما في عصرنا الراهن ، ويجب أن نعترف أن الرواية العربية لم تنضج نضوج الرواية الغربية ، وإذا عددنا نماذج فإنهم يعدون على أصابع اليد الواحدة ، وهؤلاء لا يستشهد بهم على تيار وفن له أصوله وضوابطه وشروطه ، وفي وقتنا الحاضر بإمكان الكاتب أن يستوعب شروط الفن الراقي لتواصل الثقافات وانعدام السدود بين الأمم مع أهمية معايشة الكاتب للمناخ المخصب ، وهذا المناخ قد يعيشه الكاتب بالتواصل مع الآخرين بالإرادة الصلبة ، لكن هناك ماينفي القاعدة وهو أن هناك العديد من الابداعات الرائعة ألفت في بيئة قامعة للابداع ، لكن تأكد أن عبقرية أي مبدع تنشأ من الظروف المضادة - غاب بشكل ملحوظ عن مجمل هذه الروايات قراءة المشهد السياسي , لماذا سكتت برأيك هذه الروايات عن قراءة التحولات السياسية التي تمر بها المملكة العربية السعودية , بينما أقدمت هذه الروايات بكل جسارة وثقة لنقد وقراءة وتصوير سلسلة أخطاء ممارسات التدين العام و الأخلاقيات والعرف الاجتماعي ؟ - يقول الكاتب الكبير نجيب محفوظ بأن رواياتي لا تخلو من ثلاثة عناصر : الدين والجنس والسياسة ، وحديثه عن الجنس ليس لجذب القارئ وإنما عنصر أساس في حياة الإنسان وموجه لسلوكه . وكتابنا المبتدئين تخلو رواياتهم من السياسة لأنهم حرموا منها كما حرم المواطن العربي منها ولذلك – كما يقول محمد جابر الأنصاري – ( حرم الإنسان من السياسة فتسيس كل شيء ) فتجد الأب يمارس السياسة في بيته أكثر مما يمارس التربية ، ومدير المدرسة يمارس السياسة أكثر مما يمارس التربية .. وهكذا ، فالكاتب عندنا عطل من الثقافة والسياسة جزء من الثقافة . وهناك سبب مهم انعدام الأحزاب السياسية والتصويت ، وضعف التحصيل كانت سببا في غياب الجانب السياسي في روايات الروائيين الجدد - يتحدث بعض المثقفين اليوم عن غياب الفرق ، بين معظم هذه الروايات وبين مجلات « التابلويد » التي تتخصص في نشر فضائح المشاهير ، فكلاهما بحسب هؤلاء ، يتوسلن الفضيحة ، ليحقق مبيعات عالية ، في تلبية رغبات قراء نهمين لكشف الأسرار و المسكوت عنه ، يقول الباحث عبد الرحمن الحبيب مشخصاً هذه الظاهرة أن ثمة جمهوراً « حجبت عنه المعلومات ، وهو متعطش لكشف المحجوب من الأخبار والأحداث ، والسلوكيات والممارسات الاجتماعية والسياسية ، فصار قطاع كبير من الناس يهتم بتلك الروايات التي تكشف ذلك المستور وتناقشه بأسلوب تقريري مباشر » هل ستروي هذه الروايات العطش الكبير و الظمأ المستديم لمعرفة كم نحن خائفون من كشف أنفسنا لأنفسنا ونقد ذاتنا الاجتماعية ؟ - لا أعتقد أننا مكشوفون أكثر مما نحن مكشوفون الآن ، الخادمة الاندونيسية تعرف عن المجتمع السعودي أكثر مما يعرف هو عن بيته ، والوافد العربي يساهم في صياغة المجتمع السعودي مثلما يفعل المواطن نفسه ، لكن المسألة في صياغة هذه الأحداث وإخراجها بهذا الشكل الفني أو ذاك والاعتراف من المواطن نفسه ، والوقوف على دقائق لا يمكن أن تبين إلا بيد فنان مرهف الحس يبرزها من زاوية تقنع القارئ . ومجتمعنا خصب وثري للروائي وملئ بعوالم لانهاية لها ولكن من الفنان القادر الذي يتلمس الزوايا القمينة بالتشكيل من عدمه ، فهنالك الصراع بين الجيل الجديد والقديم ، والطفرة المادية ، و الإحباطات الاجتماعية والطبقية ، والحضارة والبداوة ، والإرهاب ، والعادات الاجتماعية والتدين والتقاليد ، والانفصام بين الدين والحياة الشخصية ، وغيرها من موضوعات ثرية بإمكان الكاتب أن يتلمسها بمبضعه ، وهنا يبين الكاتب القدير المبدع ، وهذا لا يتمكن منه إلا الكاتب المثقف بثقافة شاملة قادرة الإمساك بخيوط الفكرة فيلبسها مادته الإبداعية التي تشكلها فتخرجها بأبهى صورة - يرى البعض في هذه الطفرة الروائية رد فعل عنيف على الانغلاق وعدم المكاشفة، بصفتها تنفيساً أو فضحاً، فإن البعض الآخر يتساءل حول المصير الذي ستؤول إليه، بعد أن يتعود المجتمع على الانفتاح. يطرح عبد الرحمن الحبيب أن مآل هذا النوع من الرواية النسيان » ما رأيك هل موجة هذه الروايات كزوبعة في فنجان وكسحابة صيف عن قليل تنقشع , ثم يتوقف الروائيون والجمهور عن هذا الفن الإبداعي , أم أن الباب قد أشرع ولن يغلق أبدا ؟ - لكل فعل رد فعل .. هذا طبيعي ، وأنا أسأل هؤلاء الذين ينتقدون الروائيين الجدد لم لا يكتبون روايات أرقى وأفضل ، ولم لا يستثيرون همم الكتاب الأوائل والرواية بوجه عام لن تندثر ولن تنسى بل ستزدهر وفي اطراد لأن الإبداع المركب هو ابن المدينة وخاصة الرواية ، لكن استمرار العمل الروائي – أيا كان – في ذاكرة الأجيال هو رهن بمقوماته الفنية والفكرية التي تخاطب الإنسان كقيمة فلسفية ، ورهن بالأسئلة الكبرى التي يطرحها المبدع لا الإجابات ، وانظر إلى كل المبدعين من كتاب وشعراء ومن كل الأمم بقوا ما بقي الشرط هذا متوفرا في إبداعاتهم - كتبت رواية حقول طالبان ونشرت ، هل تعتبرها وثيقة إدانة للتعليم العام في السعودية ؟ .. بل إن البعض يحدد أكثر فيعتبرها وثيقة إدانة للتعليم المؤدلج في القصيم ؟ - لم أكتبها لأدين أحد أو أي جهة مسؤولة ، والرواية هي عمل فني قبل كل شيء ، وكل كاتب لا يمكن أن يكتب إلا بوحي من محيطه الذي يعيش فيه فمثلا نجيب محفوظ لم يخرج عن القاهرة إلا في رواية ميرامار في الإسكندرية فهو ابن المدينة التي يكتب عنها وعن شخوصها ، وكذلك عبد الرحمن منيف كتب عن كل مدينة عاش فيها من عمان إلى بغداد ، وكذلك حنا مينا ومحمد شكري وتركي الحمد .. وغيرهم .. - لماذا اخترت هذا المكان الضيق ( المدرسة ) الذي منع تنقل شخصيات الرواية من مكان لآخر مما يمنع إثراء المكان وحركة الرواية ؟ - الكاتب لا يسأل عما يفعل ، وغيرك يستغرب ثراء الرواية بالرغم من محدودية المكان . والمكان رمز و إسقاط لعالم الدولة مثلما فعل نجيب محفوظ في إسقاط العالم في الحارة .. - في مقال من ثلاثة أجزاء للدكتور مطلق سعود المطيري في صحيفة الرياض ، قال في آخرها بتاريخ 13- 4 – 1429 ه ( \"حقول طالبان\" من الأعمال المتميزة الى حد كبير، يأتي هذا التميز من درجة بسيطة من تدخل وعي الكاتب في انتقاء الأحداث التي تكرس لفكرته، ولكنه في الغالب الأعظم تترك الكاميرا ترصد بشكل عفوي الضروري وغير الضروري في يوم مدرسي، الموضوع جيد ولكنه بلا مضمون، وما يمكن ان نراه من رسالة في هذا العمل لا يوجد الا في عنوانه \"حقول طالبان\" كأنما ليقول ان طلبة كسالى ومضيعون بين استاذ متزمت وآخر عصري منفلت لا تتخرج فيها كفاءات صالحة للعمل بل للإرهاب، ولو غيرنا عنوان الكتاب لضاع هذا المعنى كله، فضلا عن الرسالة هذه يمكن ان تقال في صفحة واحدة بدلا من 442صفحة. من الطبيعي ان صور الكاميرا فاقدة للوعي وقدرة الكلام حتى وان رصدت الواقع، وهو شيء بالغ القسوة للمشاعر والناس والأحداث ينبذه الفن والأدب مثلما ينبذ توجيه النقد الوحشي والقاسي الى المجتمع. ) هل فعلاً التهم عنوان الرواية مفاصل سردياتها , فلو غيرنا العنوان لضاع المعنى , كما يقول المقال آنف الذكر ؟ - العنوان قيمة فنية لاتقل أهمية عن فصول الرواية أو بعض فصولها أو مقدمتها أو نهايتها ، والعنوان له وظائف عديدة منها مايضعه المؤلف ليلفت ذهن القارئ إلى شيء ما أهم من غيره ، ومن العناوين ماهو لجذب القارئ والاثارة ( البروباغاندا) ، و منها ماهو غامض لايفهم إلا بعد تفكير عميق بعد قراءة الرواية ، ومنها ماهو فكرة حاكمة أصلا وكأنه حقيقة يريد الكاتب إلقائها بكل عنفوانها ومصادمتها ، وقد يكون عنوان الرواية جزء للتعبير به عن الكل ..فما رأيك أنت ؟ - أردت سماع رأيك في هذا .. أستاذ عبد العزيز .. روايتك \" حقول طالبان \" بيعت طبعتها الأولى في السعودية من خلال معرض الكتاب الأخير ونفدت سريعاً ، متى سنراها في المكتبات السعودية ، وماذا فعلت في سبيل توزيعها محليا ؟ - أخذت الرواية إلى فرع وزارة الإعلام بالقصيم للتصريح بها ، أو على الأقل إرسالها إلى الوزارة في الرياض فرفض الطلب بعد تقليب دقيق للرواية و تفحص متوجس للعنوان من ( أبو سامي ) ، والآن هي في انتظار التصريح من الوزارة .. - لماذا لجأت إلى الفن الروائي لتقول رأيك في التعليم والمناهج من خلال أشباح شخصيات الرواية , لمَ لم تكتب ماقلته في الرواية بمقال في الصحف ؟ - للأسف كثير من القراء يتخيل الرواية بأنها بحث ومعلومات عامة فيطالبني الكتابة عن هذا وذاك ، لكن الرواية وسيلة لقول ما يتعلق بهموم الإنسان وليس التعليم فحسب ، مع أني كتبت عدة مقالات عن التعليم في الحياة والشرق الأوسط والوطن والجزيرة ثم انشغلت بكتابة الرواية . وبالمناسبة أكثر من يكتب عن التعليم هم من الصحفيين والمسئولين الذي هم أبعد ما يكونون عن بؤرة المدارس وأجوائها وليس من المعلمين أو مدراء المدارس ، ومن المفارقات أن المقالات الفاعلة هي مقالات الكتاب الصحفيين وليس ممن هو منخرط في العملية التربوية .. - إذن ماذا تحتاج مدارسنا ؟ - كل شيء تحتاجه .. بل تحتاج إلى صياغة منظومتها كاملة .. - هل ترى أن الدكتور أحمد الرشيد نقل التعليم أيام فترة وزارته نقلة نوعية ؟ - الدكتور الرشيد رجل مثقف و واعي و وطني لكن عملية التغيير ليست بالتقليد الحرفي للغرب أو الشرق ، وإنما هناك حيثيات مختلفة يجب اعتبارها ، ولذلك عندما يجيب على معلم يشكو من كثرة الحصص الأسبوعية بأن المعلم الياباني يدرس ثماني وعشرين حصة فإن هذا لا يعدو أمرا مثيرا للاستفزاز أو الضحك . - بصفتك معلما ، ماذا فعلت لتقوم بما يخدم العملية التربوية ؟ - يا سيدي أنا ( ترس في آلة ) كما يقولون وشريحة من منظومة مضعضعة لا أستطيع أن أقوم بما يخالف السائد ، والتعليم لا يخلو من عناصر فاعلة وراقية وجادة ولكن الفعل الحقيقي في النهوض بالتعليم يتطلب توجه عام وشامل .. - ما أهم عنصر في العملية التربوية ؟ - كل شيء مهم في العملية التربوية من الوزير إلى حارس المدرسة ، لكن هناك فئة مؤثرة أكثر من غيرها في توجيه عقل الطالب ، وأهم قضية تؤرقني هو أهمية إدخال ( الجانب الأخلاقي ) في التعامل مع المعلم الذي يكدح دون الاعتراف بجهده وأهمية دعمه ، وهذا الدعم عائد بالخير إلى المؤسسة التعليمية أولا ، ولو قرأنا أفكار مؤلفات ستيفن كوفي المؤثرة في علم الإدارة لأدركنا أنها تركز على هذا الجانب ، فليس منطقيا أن يكدح المعلم بأعصابه وعقلة حوالي أربعين سنة ثم يحال إلى المعاش كخردة ! - تطوير المناهج هل يكفي للتغييرللافضل ..؟ - الأهم (تطوير الإنسان ) بأي طريق كان ، وتطوير المناهج جزء من التطوير ، و ما لم يكن التطوير شاملا فلن يكون له قيمة .. - نظرتك متشائمة ! - أنظر إلى واقعك وراقب المقدمات والمخرجات .. - كلمة أخيرة تقولها ..؟ - جزء من عبارة في الرواية أوجهها إلى الوزير ( كل الكمية المعطاة للتربية لا تكفي تربية طالب واحد .. ) نشكر الأستاذ عبد العزيز السليم على هذه الإطلالة الخاطفة , ونتمنى أن نرى الرواية قريباً في المكتبات السعودية