كنت أسأل دائماً، لماذا بعض وزراء الثقافة العرب ووكلائهم ومن يعمل معهم في تلك الوزارات هم ممن نعرف أسماءهم، أو قرأنا لهم شيئًا، بينما الأمر يختلف عندنا، أي أن من يعمل في تلك الوزارات هم من المثقفين، لا مجرد موظفين إداريين فحسب، إلى أن تشرفت بحضور حفل التكريم الذي أقيم لي ولزميلتي رجاء عالم، وألقى وزير الثقافة د. عبدالعزيز خوجه كلمته، التي لم تكن كلمة عادية أبداً، بمعنى أنها ليست كلمة موظف أو إداري على مستوى عال مثلاً، بل كلمة قارئ وأديب شغوف بهذه الفنون السردية، فهو يشير بعين قارئ يمتلك حسًا نقديا عاليا، هاهو يقول عن رجاء: إنني لست ناقدًا ولكنني قارئ ممتاز للرواية، وأرى في روايات رجاء عالم إعادة استثمار للمرويات العربية القديمة، ويقول عن تجربتي: نستكشف في رواياته معنى الجمال حتى لو كان عالمه الروائي كاشفًا وقاسيًا وهذا هو الأدب الحقيقي. حينما يتحدث صاحب المنصب الأعلى للثقافة في البلد بهذا الوعي، ويدرك معنى الأدب الحقيقي بهذه الطريقة، ويقرأ دونما حس رقابي كما يفعل معظم الأدباء أنفسهم، الذين يرون بأنهم مستقلون، فهو يشعرنا بالاطمئنان على حرية الكتاب وتوزيعه، وإلى أن ثمّة مثقف، لا موظف إداري، يقود الثقافة بوعي واقتدار، ولعله في كلمته تلك، وانحيازه الواضح للسرد، ومحبته له، رغم كونه شاعرًا، يذكرني بكلمة الروائي الكبير نجيب محفوظ، في ملتقى الرواية الثاني بالقاهرة، وقد ألقيت بالنيابة عنه، حينما طالب الوزارة بإقامة ملتقى للشعر بحجم ملتقى الرواية اللافت، وهو ما حدث لاحقًا، فهكذا هم الأدباء الحقيقيون يرون في الأجناس الأدبية تكاملًا لا تناحرًا كما يعتقد البعض حينما يسألون ما إذا كنا في زمن الشعر أم زمن الرواية؟. أعتقد أن العمل المتخصص يتطلب أشخاصًا قضوا أعمارهم في هذا الشأن، واكتووا به؛ فالعمل الثقافي ليس مجرد وظيفة رسمية، بل مهمة وواجب وحلم ينتظره المثقفون ممن يتقلدون هذه المناصب، فحين استطاع وكيل الوزارة السابق د. عبدالعزيز السبيل تحريك ركود الشأن الثقافي، وخلخلة الهياكل الوظيفية في الأندية الأدبية، وتجديد دمائها، بعد أن كان معظم من يقودها قد قضوا ربع قرن على كراسيها، ها هو وكيل الوزارة الجديد د. ناصر الحجيلان يقود رحلاته الإشرافية على انتخابات مجالس إدارات الأندية في الجوف ومكة، وقريبًا في جدة والرياض والقصيم وغيرها. ها هو يعيد شتات الفوتوغرافيين ويبدد خصوماتهم، ينظر إلى التشكيل، ويفكّر كثيرًا بالمكتبات وكيف نزرعها في جميع الأحياء، وهكذا هو شأن المثقف الذي يدرك معنى السلطة الوظيفية حينما تكون في يده، فيقتنصها، لا الموظف الذي يحلم بدخل وترقيات ونزهات هنا وهناك!. وقد يكون قدر هؤلاء أنهم يديرون عملًا يرتبط بأكثر البشر سخطًا على كل شيء، حتى على أنفسهم، وأعني بهم المثقفون، وذلك ما قد يجعلهم عرضة دائمة للنقد، لكنني أجزم أن النقد المخلص والجاد، هو الذي يسعى إلى المساهمة في تطوير ثقافتنا وجعلها مؤثرة في الداخل، وحاضرة في المشهد العربي والأجنبي، خاصة إذا كان النقد يهدف إلى خدمة الثقافة وإعلاء شأنها بشكل عام، دون أن يرتبط ب»الشخصنة» والخلافات أو المصالح الشخصية.