تصلنا يومياً على بريد (عناوين) وعلى بريد محررينا العشرات من الرسائل التي تحمل مضامين وصوراً ومقاطع فيديو منوعة، منها ما هو قديم ومنها ما هو جديد، ومنها ما هو طبي ومنها ماهو رياضي أو طريف أو غريب، وحيث إن الأعم منها مفيد للغاية فهو نتاج ملخصات أو مواد منتقاة بعناية أو كلمات مختارة بدقة فإننا قررنا نشر ما نرى فيه فائدة أو طرفة مما يصلنا ليشاركنا قرّاء (عناوين) الفائدة نفسها، ونكرر أن منها ما هو قديم جدا أو مكرر أو مشاهد من قبل، ولكننا نفترض أن هناك مَن لم يقرأ هذا النص أو يشاهد ذاك المقطع. الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك قال فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة- الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- إنَّ الصداقة مثل الشجرة الظَّليلة في الصحراء الحارة، يَجِد الإنسان فيها الظلَّ والرِّيَّ، كما يجد فيها الوقاية من الشمس، ومن دون صداقة لا يدرِي المرء كيف تكون الحياة؟! فالصداقة جزء من الذات. مشيرًا إلى أنَّ صديقه ورفيق دَرْبه الشيخ عبد الوهاب الطريري نموذج للصديق الصدوق الحميم المُخْلِص. وأضاف الشيخ سلمان- في حلقة الأربعاء من برنامج "صديقي"، والذي يُبَثُّ على فضائية "المجد"-: إنَّني أميلُ إلى التوسُّع في العلاقات والصداقات، وليس كما يقول الشاعر: عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ فلا تستكثرنَّ من الصِّحابِ فإنَّ الداءَ أكثر ما تراهُ يكون من الطعام أو الشرابِ موضحاً أن في ذلك دعوة إلى أن يكون الإنسان حذرًا، لكن الحياة عَلَّمته أنَّ كثرة الأصدقاء خير. وأشار فضيلته إلى أن الإنسان يَجِد في سَعَة العلاقات خيرًا وبركةً، وإنْ لم يجدْ من هذه العلاقات سوَى أن يدعو الناس لكَ وتدعو لهم، وتَطِيب الحياة بذِكْرِهم والتعرّف عليهم؛ ولذلك فإنَّني أعتزُّ بالأصدقاء سواء أولئك الأصدقاء الذين قطعتُ معهم عمرًا طويلاً أو ربَّما أصدقاء صغار كأولادي أو وأصدقاء أولادي. بهجة الحياة ومن جانبه قال الشيخ عبد الوهاب الطريري: إنَّ الصداقة شيء جميل وجذَّاب، وذلك على الرغم من شعوري بأنَّه فشَا عقوقُه، خاصةً عندما صُوِّرت الحياة على أنها مُجْدِبة من الصداقات الجميلة، والعلاقات العَذْبة الحلوة الصادقة. مشيرًا إلى أنَّ هذه الصداقات والعلاقات الصادقة هي بهجة الحياة وأُنْسُها وعذوبتها، فالحياة بدون صداقات حياةٌ موحشة كئيبة، وكما يقال: (ما قيمة أن نكون في مكانٍ جميلٍ وليس معنا من نقول له: هذا مكان جميل!)، فما قيمة أن تعيش هذه الحياة بصخبها ومباهجها وشِدَّتها وحزنها وليس معك من تَحْكِي له مباهجها فيبتهج لبهجتك أو تُقاسِمه حزنها وشدتها فيحمل عنك، ولذلك كانَ من إسعاد الله- عز وجل- لنبيِّه- صلى الله عليه وسلم- أنْ جعَل حياته محفوفةً بالصداقات الصادقة، متسائلاً: هل أعذب من حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وفيها أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب؟، ولذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقول: "ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وجئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر.."، وكان هذا من إسعاد الله لنبيِّه-صلى الله عليه وسلم-. وأضاف الطريري: أمَّا الحديث العاقُّ عن الصداقة، وتصوير الحياة على أنَّها خَلَت منها فهذا يُذكِّرني بكلمة كان يقولها لي والدي في أول حياتي، حيث كان يقول: سأل رجل حكيمًا فقال: ذهب عمري وأنا أبحث عن صديق فلم أَجِدْه. قال: لأنك تبحث عن صديق يعطيك، ولكن لو بحثتَ عن صديق تُعْطيه لوجدتَه في أول يوم!، ولذلك فإنَّ الحديث عن الصداقة يوافق هوى في نفس كل مَن عاش عذوبة الحياة الجميلة بالأصدقاء الذين أنس بهم وأشرقت بهم حياته وتَعطّرت بهم ساعاته وأنارت مراحل عمره بها، فإذا ذكر عمره ذكر هذه الصداقات، هذا العمر جميل بالعلاقات التي عمرناه بها. العودة.. والطريري وأردف الشيخ عبد الوهاب: إنَّ حياتي بهيجة بصداقات جميلة، فلدَيَّ أصدقاء كُثُر، حيث بدأتُ الصداقات في مشواري الأول في حياتي، ومن فضل الله- عزَّ وجلَّ- عليّ أنها مستمرَّة، فأصدقائي الذين تعرَّفْت عليهم في الابتدائي ما زالوا هم إلى الآن أصدقاء، وإن كان هناك من تفرّقت بهم شِعاب الحياة وأصبح اللقاء بهم نادرًا، لكن هناك صداقات من الابتدائية ومن حارَة "دخلة" التي كانت فيها النشأة الأولى. وتابع: ولذلكَ فالعمر مُزْدَحِم بالصداقات العَذْبة الجميلة الصادقة فيما أحسب، والذين إذا أرَدْتُ أن أَذْكُرهم لطال بنا المقام، وهو كتاب ضخم واسع لكن صفحة الغلاف يطلُّ منها مُحَيَّا شيخِي قبل أن أقول صديقي وأستاذي ورفيق دَرْبِي في حياتي الشيخ سلمان العودة. بداية الصداقة وعن بداية هذه الصداقة يقول الشيخ سلمان: إنَّ صداقتِي بالشيخ عبد الوهاب الطريري بَدَأَتْ من السَّنَة التمهيدية بعد الجامعة، كنّا مجموعة ندرس الماجستير تتكون من عشرين شخصًا، وكان الشيخ عبد الوهاب من أنشطِ الشباب؛ فالشيخ صاحب علاقات، كما أنَّ بَيْتَه في السويدي مزارٌ، وتعرفنا على والديه وإخوانه وأسرته، ثمَّ كان بيتُه في العليا مرتاد الإخوان وفي مقدمتهم الشيخ عائض والشيخ سعد الزيد ومحمد التركي ومجموعة كبيرة من الزملاء في تلك السنة، حيث كان بيتُه مثابةً لهم وأمنًا. وأضاف فضيلته: إنَّنِي أعرف الشيخ عبد الوهاب الطريري من خلال لَطَافَتِه وحضوره وكرمه ونشاطه وعلاقته بالأساتذة ودعوته لنا، فهو صاحب المبادرة في هذا المجال، فتلك كانت الخطوةَ الأولَى التي جَرَّنا فيها إلى هذا الميدان، ثم أسْفَرت هذه العلاقة عن التعرُّف على شخصيته الجميلة والطيبة، مشيرًا إلى أنه لو تجسَّد الوفاء في رجل لكان هو الشيخ عبد الوهاب، فهو إنسان يقوم مقامَ النفس بل أقوَى من ذلك. مشاعر خاصة ومن جانبه، أشار الشيخ عبد الوهاب الطريري إلَى أنَّ الصداقة الصادقة لها مذاقٌ في كلِّ وقتٍ، و لها مشاعرها الخاصة في كل مرحلة من المراحل، فمرحلة الانقطاع مع الشيخ سلمان (السجن) كانت هي مرحلة القرب الشديد، هذه المرحلة انقطع فيها عنِّي وعن غيري، كانت هي مرحلة القرب القلبِي؛ حيث كان عامرًا لمشاعري ووجداني وقلبِي، ألقاه في نومي وفي أحلامي ورؤاي، طَيْفُه لم يكن يفارقُنِي في تلك السنوات الخمس التي كنت أعدّها عدًّا وأرحل معه فيها، ولذلك فأَنَا لا أصوِّر هذه المرحلة على أنها مرحلة انقطاع بل كانت قربًا روحيًّا قويًّا وتواصلاً قلبيًّا شديدًا، وكانت أنواع الرسائل فيها على صعوبتها لها مذاقٌ وطعم. كما أنني لا أنسَى أبدًا يوم جاءني الأخ عبد الرحمن السياري لينقل لي من الشيخ سلمان أولَ رسالةٍ شفويةٍ بعد زيارته له في السجن، كانت احتفالية وعرسًا روحيًّا، بدأتُ أبشِّر الوالدَ والوالدةَ والأصدقاء والأقارب بما أرسل الشيخ، وأُحدِّثهم عن حاله ووصفه، ثم كان التواصل بعد ذلك عجبًا، فبعد كل زيارة تزورها أمُّ معاذ للشيخ أو أولاده أو أم البراء ترجع وهي مضمخة بعبق الأشواق، ولوعة الشوق أن تَشْعُرَ أنَّ القريب قريب لكن كانت فترة عامرةً بالأشواق، فهي صلة لِمَا قبلها وتوطئةٌ لما بعدها. واستطرد الطريري: إنَّني أكاد أتذكرها اليوم وأتذكر مواقفها يومًا يومًا لا أقول سنة سنة، ولو شئت لقلتُ ساعةً ساعةً، ولكل مرحلةٍ عذوبةُ أحداثِها، ففِي وقتها كانت هذه الأحداث لها هزَّة في النفس ونشعرُ بالألم، ولكني اليوم أتذكرها بشيء من الانتشاء والاستعذاب، وهكذا في دَأْب الحياة؛ حيث يعيش الإنسان شِدَّتَها، لكن إذا عَبَرت يَلْتَفِت إليها بشيء من الاستعذاب. معدن نفيس وأوْضَح الشيخ سلمان أنَّ تعامل الشيخ عبد الوهاب الطريري معه لم يختلف في الشِّدَّة عنه في الرخاء، مشيرًا إلى أنَّ الشيخ الطريري معدن نفيس لا يتغيّر، بل على العكس إنَّه في الشدَّة يكون أقوَى، فكثير من الناس هم أصدقاء الرخاء، لكنهم في الشدة يَتسلّلون لواذًا على الأقل خوفًا على أنفسهم أو حفاظًا أو لأيِّ اعتبارٍ، لكن الصديق الحميم تجده في الشدَّة أقرب إليك منه في الرخاء؛ لأنه يشعر أنك في حاجة إليه، وعلى سبيل المثال، فإنني عندما مكثتُ خمس سنوات في السجن كان الشيخ عبد الوهاب يأتِي لأهل البيت ويزور الوالدة بانتظام، ويسليها دائمًا ويتحدَّث معها حتى بلُغَتِها ولهجتها القصيمية، وكذلك الأسرة، والأبناء؛ معاذ وعبد الله وإخوانه كان يذهب ويسافر بهم، كما كان يقوم بمتابعة الأمر على كافة الأصعدة، فهو نموذج لا يُدانِيه قريب أو صديق أو جارٌ، وهو فيه كلُّ الخير. ويعقِّب الطريري قائلاً: إنني أحاول أن أكِّد ذاكرتِي لأتذكَّر موقفًا أغضبنِي فيه الشيخ سلمان فلا تسعفني، فهو بشرٌ من البشر لكن استطاع أن يمسح كل ما كان مرًّا- إن كان مرًّا- لدرجة أنِّي لا أذكره، فأنا لا أتذكَّر أن الشيخ أغضبني، بقدر ما أتذكر أنني أغضبتُه لكن لا أذكر أنه أغضبني ولم تسعفنِي ذاكرتي الآن باستدعاء موقف من هذا النوع. مشيرًا إلى أن للشيخ سلمان مواقفَ في الشدائد مع الجميع، فالدكتور العودة لا يسعفه طبعه إلا أن يكون الأول في موقف النجدة، فلا تشعر أنه يمرُّ بمرحلة تفكير قبل أن يتخذ موقف النجدة ولكن يكون في الصف الأول دائمًا، وعلى سبيل المثال، فإنني لا أزال أذكُرُ ونحن في أول سنة تعرّفت فيها على الشيخ، حيث كنَّا في طور التعارف الأول، وقد كانت رواتبنا في الدراسات العليا أربعة أو خمسة آلاف نَعُول منها أُسَرَنا ونقيم منها بيوتَنا، فإذا بأحد أصحابنا أصابَه ظرف مُعَيَّن فتداعينا له، ولم يكن هذا الصاحب هو أكثرنا علاقةً بالشيخ فقد كنت أنا الذي جمعت، فكان ما أعطاه الشيخ بقدر ما أعطيناه نحن جميعًا، وذلك بدون سابق ترتيبٍ ودون أن يعرف ماذا أعطينا!، فلم يكن طبعه يسعفه إلا أن يكون في المُقدِّمة في أي موقف من المواقف. وتابع الشيخ عبد الوهاب: أما فيما يتعلَّق بي فأعتقد أنَّ موقف النجدة في الشدائِد لا يلزم منه أن يفعل الإنسان الأشياء الصعبة الشديدة كما أن يفعل الشيء الذي تشعر أنت أنك أشدّ ما تكون حاجة إليه، فقد تكون كلمة لكن تشعر أنها أتَتْ أحوجَ ما تكون إليها، وأتَتْ منه بإحساسه قبل أن يكون بطلبه، وعلى سبيل المثال، فإنني لا أنسَى ولا أعتقد أنَّ الشيخ ينسَى أنَّه في السنة الثانية بعدما انتهَت السنة التمهيدية التَحَمَتِ العلاقة بالشيخ وصار بينِي وبينَه تواصلٌ وتزاورٌ، فذات مرة مَرَرْتُ بظرف نفسي ليست أزمة مالية أو شيء، ولكن ظرف نفسي فيه شدَّةٌ، فكان الشيخ في القصيم فكلمني فلاحظ أنَّ صوتي مُجْهَدٌ وأني ما استطعت أن أواصِلَ معه ولذلك اصطنعت أمرًا وقطعت الاتصال، كان هذا بالضبط قرابة الساعة الثالثة قبل أذان العصر ونحن في الصيف، فبعد صلاة المغرب كان الشيخ على الباب! ووصل إليّ أحوج ما أكون إليه، فقد كنت في تلك الساعة فقط بحاجة إلى أن أقبض على يده فأُطْبِق عليها يدي، وعلى الرغم من أنني لم أقل له إنني أريد أن أراكَ أو أتحدث معك في شيء ما، ولكن الشيخ سلمان قرأ نَبَرات صوتي وكان ردّ فعله التلقائي أنَّه أغلق السماعة وقال لأمِّ معاذ: إنني ذاهب إلى الرياض، فعندما جلستُ إليه جلسة واحدة شعرت أنَّها استَلّت كل معاناتي. تواصل دائم وذكر الشيخ سلمان أنَّ فضيلته والشيخ عبد الوهاب الطريري على تواصلٍ دائمٍ، وإن كان كثرة السفر يعدّ مشكلة سواء بالنسبة لفضيلته أو الشيخ الطريري، لكن الغالب أن يكون اللقاء في الرياض، فهو الوطن المشترك بيننا، كما أنَّ وسائل التقنية سهّلت التنسيق. فيما أشار الشيخ الطريري إلى أنهما يستغلان جميع وسائل الاتصال، ولكن هذا لا يغنِي شيء عن اللقاء، وعلى سبيل المثال، فإنني عندما أطلب من الشيخ أن ألقاه، فإنَّ هذا لا يعني أن هناك موضوعًا مهمًَّا أرغب في الحديث إليه فيه، أو أن هناك جدولَ أعمال، ولكن يكفي فقط أن نلتقي حتى أُشْبِع هذه الجوعة الروحية عندي، ولا زال اللقاء بيننا على كافة الأصعدة، سواء بالتواصل والرسالة والاتصال بالتليفون. وأردف الطريري: إنه على الرغم من ازدحام حياة الشيخ سلمان وأشغاله التي لا تنتهي، إلا أنَّك لا يمكن أن تأتيه فتجد أنه متوترٌ أو متحفِزٌّ، فربما تذهب إليه ثم تظن أنك أنت تصدقت عليه أنك أتيته الآن وشغلت وقته، وقد كان هذا طبع في الشيخ ابن باز رحمه الله، ثم رأيته بجلاءٍ ووضوحٍ في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم أعددت مذكرةً بعنوان "اليوم النبوي"، فلاحظتُ أنَّ حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- مزدحمةً لكنها مُسْتَرْخِية، ومُرَتَّبة وفي الوقت ذاته ليست رَتِيبة، فالشيخ رغم ازدحامه لا يمكن أن آتِي إليه وأشعر أنه متحفِزٌّ. نسخة الروح ولفت الدكتور العودة إلَى أنَّه مَهْمَا تحدَّث عن صداقته والشيخ الطريري فإنَّه لا يمكن أن يعبِّر عن جمال وروعة هذه الصداقة، مشيرًا إلى أنه كتَب عن هذه الصداقة في كتاب (طفولة قلب)، كما كتب مقالاً بعنوان (نسخة الروح) والذي يعتبره فضيلته أهمَّ مقال كتبه، فعنوانه يعبِّر عن مضمونه، فالشيخ ليس فقط صديقًا أو حبيبًا، ولكنه كما يقول الشاعر: أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنَا فإذا أبصرتَه أبصرتَنِي وإذا أبصرتَنِي أبصرتنا ويضيف الشيخ عبد الوهاب الطريري، قائلاً: إنَّ كل ما بيني وبين الشيخ مُقَيَّد في القرص الصلب، فلا أشعر أنَّ هناك شيئًا أحتاج إلى تذكُّره أو استدعائه، ولكنها حياة قد رُسِّبت في قاعِ الأعماق، وقاربت شغاف القلب، وأصبحت حاضرةً لا يمكن أن أقولَ إني أتذكرها، أما إذا كان المقصود بالتقييد الشيء المكتوب كتابةً فهذا لم أفعل شيئًا منه إلى الآن لأنَّ كله مرسوم في قلبي. فضفضة متبادلة وأوضح الدكتور العودة: أنَّه دائمًا ما يُفَضْفِض للشيخ الطريري، مشيرًا إلى أنَّ الشيخ عبد الوهاب مُشْرِف على كلِّ الأعمال ذات العلاقة بفضيلته، فهو مشرف على شبكة "الإسلام اليوم"، كما أنه مشرف على الموقع الشخصي الخاص به، وكتبه و محاضراته، وقال الشيخ سلمان: لا أفعل شيئًا بدون الشيخ ومشاورته، وإذا لم يرَ الشيخ هذا حتى لو كنت أراه فأَنَا أصرف النظر عنه، فالشيخ عبد الوهاب يُفَضْفِض لي وأُفَضْفِضله. ومن جانبه قال الشيخ عبد الوهاب الطريري: إنه عندما تتوثَّق العلاقة إلى درجة أدنَى من هذا الوثوق الذي بينِي وبين الشيخ سلمان نصبح صديقين يعيشان حياة واحدة كل يعيش حياة صاحبة، وعندما أبُوح للشيخ بما في نفسي فرحًا أو حزنًا لا أشعر أنني أُضيِّع وقت الشيخ بهمومٍ خاصة، بقدر ما أشعرُ أنه يعيش حياتي، ولذلك هو يستدعِي هذا الشيء مني ويتفاعل معه ويتابعه بتفاصيله كأنَّه يتابع تفاصيل حياته، بل أحيانًا أشدّ بل أحد المواضيع الخاصة المشتركة في حياة الناس التي عاشها الشيخ معي قلت له: أنا أجزم يقينًا أنك لم تعش هذا الأمر فيما يخصُّك كما عشتَه لي! فلم يستطع أن يقول لا. وعلى صعيد التواصل العائلي، أشار الشيخ سلمان إلى أنَّه لا يستطيع أن يجارِي الشيخ الطريري ولا يباريه في صِلَتِه بأهلي وعائلتي، فالشيخ عبد الوهاب تمشِي في خطوته المسافة، ولكني أحاول أن أؤدِّي بعض حقّ أسرته وعائلته بزيارة والده وحضور بعض المناسبات كلما أُتِيحت الفرصة، فيما أوْضَح الشيخ الطريري أنَّ علاقته بوالدة الشيخ سلمان بدأتْ في مرحلةٍ مبكرةٍ. مناسبات راسخة ولفت الشيخ سلمان إلى أنَّ هناك العديد من المناسبات الراسخة التي تَجْمَعه بالشيخ الطريري، سواء أكان ذلك موضوع محاضرة في مسجد الشيخ عبد الوهاب في الرياض أو خطبة في حضور الناس، أو اللقاء بالشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- وفي بعض المناسبات والعزائم، وكذلك مناسبة الخروج من السجن، فالشيخ عبد الوهاب إنسان مُكْتَنِز بالعاطفة بطبيعته، فإذا بكى بكى بكلِّ جوارحه وإذا ضحك أيضًا ضحِك بكل مُتْعَتِه وسروره، فلما خرَجْت من السجن كان موقفًا يصعب وصفه، حيث كان أشد ما يقلقني لقاء الشيخ الطريري، فقد كان هذا اللقاء ليس بالشيء العادي أو السهل بعد انقطاع خمس سنوات ونحن اللذين ربما لا يصبر أحدنا عن الآخر أيامًا. وأضاف فضيلته: إنه من أجمل المواقف والمناسبات التي لا تُنْسَى مع الشيخ عبد الوهاب هو تأسيس موقع "الإسلام اليوم" قبل اثنتي عشرة سنة، فالشيخ عبد الوهاب كان مقاتلاً لا يُشَقُّ له غبار فيما يتعلَّق بتذليل الصعاب في ميدان دعم البرنامج، وكذلك البرامج المتنوعة تجد الشيخ يتابعها، وكذلك رَوَاج الكتاب، حيث إنني دائمًا أنتظر من الشيخ عندما نُصْدِر كتابًا أو ننتج حلقة أو نعمل برنامجًا رسائله التي تأتيني أحيانًا، والتي تعتبر مثل الإبر المُنَشِّطة تبعث الحيوية من جديدٍ في جسدي وروحي وعقلي. لغة القلوب ومن جانبه، أوْضَح الشيخ عبد الوهاب الطريري أنَّ المناسبات الراسخة التي تجمعه والشيخ سلمان العودة كثيرة، لكن أكثرها انفعالاً يأتِي اللقاء بعد شوق، فيأتِي بمثابة الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، فيأتِي اللقاء بالحبيب بعد طول تشوُّق وتشوُّف هذه اللحظة التي أَعِيش ثوانيها عندما أسْتَدْعِيها، فأتذكَّر لحظات التشوُّف والانتظار والذهاب للمطار و ثوانِي الانتظار عند باب الطائرة وعند زحام الوجوه التي تخرج ونحن نبحث عن وجهٍ واحدٍ، الوجوه تندلق من الطائرة كُثُر لكنني أبحث عن وجهٍ بعينِه، كما أنَّ العيون كُثُر ولكنني أبحث عن عينِ صديقِي ورفيق دربي، لحظة يفقد فيها الإنسان السيطرة على ترتيب تصرُّفاته. ولكن تصرفاته تأتي غير مُرَتَّبة، ولذلك تلك اللحظة عندما أشرق فيها مُحَيَّا الشيخ سلمان، فسحنة الشيخ تغيّرت بمراحل شبابنا وكهولتنا وتغيّر وجهه لكنني لم أنسَ تلك اللحظة وشكل سحنة الشيخ وخروجه بتلك الابتسامة الصافية وهو ينظر حيث تعطّلت في هذه اللحظة لغة الكلام، لا أذكر الآن ما قلتُ له ولا أذكُر أني رتّبت، ولكن الذي أذكره أنَّ فوق الأضلاع التَحَمَت أضلاعي تلك اللحظة في عناقٍ كأنَّما يريد قلبي أن يقول: دعني لقلبه ففيّ من المشاعر ما لا يستطيع لسانك البوح بها، كأنما قلبي يقول دعني لقلبه! هذه لحظة العناق بعد طول تشوُّق لها مذاق أشعرُ أن كلمات اللغة قليلة أن تعبِّر عنه. استشارة.. واستنارة وذكر الدكتور العودة: أنَّه دائمًا ما يستنير برَأْي الشيخ الطريري، مضيفًا: إنني أشعر بالبركة في رأي الشيخ ولا أقطع أمرًا دونه، فالرأي الواحد كالخيطِ السَّحيل الرأيان خير وبركة، وخاصةً رأيٌ من صاحبِ عقلٍ و تجربةٍ وناصحٍ، فربما لا أعتقد أنني لم أفعَلْ في حياتِي شيئًا ذا بال دون أن يكون الشيخ على علمٍ به، وربما يؤيّد أو على الأقل يسكتُ لكن لو كان لا يرَى هذا الشيء فإني لا أفعله، فيما أوضح الشيخ عبد الوهاب الطريري: أنَّه عندما يطلب نصيحةً تلقائيًا فإنه لا يطلبها من أحد قبل الشيخ سلمان. ويضيف: وذلك لثقتِي بحبِّه ونصحه من جهةٍ، وثقتِي بسداد رأيه فهو فيما بليته مسدَّد الرأي، ولذلك فأنا لا أستغنِي عنه بل إنَّه لم يلتَبِس عليَّ أمر وأجد نفسِي في حيرةٍ وحاجةٍ لطلب المشورة إلا وفَزِعْت إليه، وما بلوتُ في مشورته إلا السداد، ولذلك فهو أول من أستشِيره عندما أستشير، ولكنه هو لا ينتظرني حتى أستشير بل كثيرًا ما يبدأني بالتسديد وما يبدأني بالمشورة، ولا أزال أذكر كيف أنَّه ألجأني ودفعني بكلتا يديه لأقتحم أمرًا كنت مترددًا فيه وهو الدخول في مجال الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ. علاقة راسخة وأوضح الشيخ سلمان: أنَّ مشاغل الحياة وصعوبتها لم تؤثِّر على علاقته بالشيخ الطريري إلا عمقًا، وذلك لأنَّ العلاقة تُعَمَّق في أوقات الشدة، وأيضًا ليس فقط الشدَّة بمعناها السلبيِّ، ولكن علاقتي بالشيخ عبد الوهاب أجمل ما فيها أنها ليست علاقة متعة فحسب، ولكنها علاقة صداقة وحبّ وأُنْس مَحْض، وفي الوقت ذاته هي شراكة، فأنَا لا أستقِلُّ بشيء سواء كتاب أو برنامج أو موقع أو موقف أو أي شيء، اللهمَّ إلا اتحاد علماء المسلمين ومجلس الإفتاء الأوروبي؛ حيث إنني عضو فيه والشيخ عبد الوهاب لم يكن له فيها عضوية، لكن هذا لا يعني شيئًا، فحتَّى مواقفي هنا أو هناك أرجِع للشيخ فيها. فيما أوضح الشيخ الطريري: أنَّ مشاغل الحياة وصعوبتها لم تؤثِّر على علاقته بالشيخ سلمان، ولكنها وثّقت العلاقة، فهذه العلاقة لا تزداد إلا وثوقًا ورسوخًا لكن لكل مرحلة من العمر طبيعتها. مصالح دنيوية ولفت الدكتور العودة إلى أنَّه ليس بينَه وبين الشيخ الطريري شيء من شراكات الدنيا إطلاقًا، فكل شراكتنا قائمة على مجهود المشاريع في خدمة المعرفة والعلم، مشيرًا إلى أننا يجب أن نُدْرِك أن المصالح الدنيوية ليست عيبًا، فالصحابة كان بينهم مشاركات، كما أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر عن أبي العاص بن الوليد بن عبد شمس أنَّه شريك لا يُدارى ولا يُمارى. فهذا لا يجب أن يُعاب، فيما قال الشيخ عبد الله الطريري: إنَّ أهون ما يُذكر في هذا المجال وفي هذه العلاقات الرائعة الجميلة أن يكون للمادة فيها حضور، فنحن نُحلِّق في سماء عالية. هجمة شرسة.. ولكن وقال الشيخ سلمان: إنّه إذا كان الشيخ عبد الوهاب الطريري قد تعرَّض لهجمة شرسة؛ فإنه لا أحد يسلم من مثل هذه الهجمات، فهذه ضريبة العمل والإنجاز، مضيفًا: إنني لا أرَى الدفاع عن النفس في هذه الحالة، فإنَّني إن دافعتُ عن الشيخ فأنَا أدافِع عن نفسي، وأظنُّ أنَّه هو كذلك أيضًا، وربما على شدَّة مَحبّته وصفائه يشعر بأنّه ليس من اللائق أن يقوم بالدفاع عنِّي؛ لأنه حينما يتكلم عني هو يتكلم عن ذاته. وفي السياق ذاته، أوْضَح الشيخ عبد الوهاب الطريري: أنه كان يقوم بذلك في مرحلة معينة، ثم وجد أنَّ هذا ليس التصرُّف الأكثر سدادًا؛ لأن أي كلام أقوله هو محسوب تلقائيًا على الشيخ سلمان، ولذلك أصبح هذا الأمر عاديًا، فلا الشيخ يدافع عن نفسه ، مضيفاً: وأنا شحنة من الشيخ فلا أدافع عن نفسي. أجواء إيمانية وذكر الدكتور العودة أنَّ الأجواء الإيمانية موجودة دائمًا في صداقته بالشيخ عبد الوهاب الطريري، مشيرًا إلى أنَّ الإيمان في هذه الحالة ليس مجرَّد مشاعر، ولكننا يجب أن ندرك أنَّ العمل من الإيمان، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فالأعمال كلها إيمان، مشيرًا إلى أنه إذا كان بينَه وبين الشيخ الطريري شراكة في العمل وذلك بالطبع مع أناس آخرين، إلا أنَّ ما أقوم به من عمل لا يخرج إلا بمعاونة الشيخ الطريري. وعلى سبيل المثال: فإنَّ كتاب "مع الله" والذي كُتِب وتُرجم إلى عدة لغات: الإنجليزية والصينية والآن نُتَرْجِمه للفرنسية وللتركية ولعدة لغات أخرى، وكذلك كتاب "مع المصطفى" وهو كتاب عن الرسول- عليه الصلاة والسلام- وسيرته، وكذلك بقية الكتب والمؤلفات في العبادات "فقه العبادة" أخرجناه قريبًا، فلا يخرج لي شيء إلا بعد أن يُوافِق عليه الشيخ وأستشيره فيه، وإذا اختلفت مع الشيخ في شيء فإنَّ رأيه هو الذي يُقدَّم في نهاية المطاف، وهذا جزء من الإيمان نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص فيه. شحنات إيمانية ومن جانبه، قال الشيخ عبد الوهاب الطريري: إنَّ الإنسان يجد في صحبة الشيخ سلمان شحنات إيمانية تسرب إليه من غير أن يضع لها عنوانًا ولافتة ليقول هذه بوابتها، وهذا يذكرني بما كان يقال عن الحسن البصري: أعوذ بالله أن يكون في كلامي فتون لنفسي أو لأخي، لكن هذه طبيعة الشخصيات المُشِعّة؛ حيث كان يقال عن الحسن البصري: "إن كان الرجل لا يلقي الحسن فلا يسمع منه طريف قول ولا يرى طريف فعل فيَمْتثل بلقياه"، وهذا الشيء كنت أشعره خصوصًا إذا لقيت الشيخ بعد انقطاع، حيث أشعر بقشعريرة في قلبي، وكذلك إذا رأيتُ الشيخ يمشي أو داخل إلى القاعة أشعر أنها أعطتني شحنة من الطاقة الروحية، فالإيمانيات تأتِي من الشيخ سلمان ليس بطريقة خطبة طويلة ولكن تأتي شحنة مُرَكّزة في موقف تراه هو مندمج فيه فتشبع منه نفسك. وعلى سبيل المثال، فقد كنا ذات مرة في الحج وكنا نقف على جبل عرفة، فعندما تحدثنا عن الدعاء وإلحاح الناس بالدعاء قال الشيخ سلمان: يقول تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، فكأني أسمع هذه الآية لأول مرة، حيث قالها بطريقة كأنما فُتقت لي الأرض وأنا أرى الأرض كلها أكُفًّا تسأل، ما أعظم فضل الله، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، فلم يفسرها الشيخ ولا قرأها بطريقة ترتيل لكن قرأها بكثافة إيمانية مشبعة تجعل الذي يسمعها يشعر أنه يسمعها لأول مرة. حب.. ودعاء وأوضح الشيخ سلمان: أنَّ الشيخ عبد الوهاب الطريري أكثر حبًّا لفضيلته، مضيفًا: وذلك لأنه أفضل مني، مشيرًا إلى أنَّ فضيلته يدعو للشيخ الطريري مع نفسه، لأنه لا يظن أن الشيخ عبد الوهاب استثناء من نفسه، فلا يكاد يوجد سرّ أخفيه عن الشيخ الطريري، فالشيخ يعرف أفكاري وخواطري ومشاعري ومشاريعي المستقبلية، كما يعرف ظروفي العائلية وعلاقتي بأسرتي، وتفاصيل الحياة، فضلاً عن ذلك فإنه يعرف سلبياتي وأحلامي وطموحاتي ونقاط ضعفي، فإنني وإن كنت أرجو أن أكون واضحًا للآخرين، لكنني بالنسبة للشيخ عبد الوهاب كتاب ليس مفتوحًا فقط وإنما مقروء بحروفه ومحفوظ. فيما قال الشيخ عبد الوهاب الطريري: إن كلًّا منا أشد حبًّا لصاحبه، فكل ساعة أجد فيها لذة الدعاء وأتحرّى فيها ساعة إجابة يكون الشيخ من أول من أخصه باسمه، فكل الجُدُر البَيْنِيّة أزلناها منذ زمن وأصبحنا نعيش في قاعة مفتوحة. رسالة إلى الطريري وختم الشيخ سلمان الحلقة بتوجيه رسالة إلى الشيخ عبد الوهاب الطريري، قائلاً له: بَيَّض الله وجهك، فأنت نموذج للصديق الحميم، فلقد طابت حياتي بتعرُّفي على وجهك الطيب وروحك العالية، كما أنني بدونك أشعر بالعزلة، إنني أعتبر أنَّ من أعظم نعم الله عليّ أن جعلك في طريقي أو جعلني في طريق رجل مثلك، أنت الخير والبركة، وكما يقول الشاعر: أعد ذكرَ نعمانٍ لنا إنّ ذكرَه هو الطِّيبِ ما كررته يتضوَّعُ وأضاف فضيلته: إنَّني عندما أتحدث عن الشيخ الطريري أشعر أنَّ الوقت انتهى والكلام انتهى وأني لم أقل شيئًا. رسالة إلى العودة كما وجه الشيخ عبد الوهاب الطريري رسالة إلى الشيخ سلمان العودة، قائلاً: إنني أجد الكلمات قليلة لا تسعفني، كما أجد البيان يتحوَّل إلى عِيٍّ لكن عندما أجد نفسي أريد أن أكتب رسالة للشيخ سلمان تليق بما في قلبي من مشاعر تجاهه، ولذلك أَكِلُ ما في قلبي إلى قلبِ الشيخ ليقرأه: وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ دَليلٌ حينَ يَلقاهُ فإذا سألتني عن شعوري عندما ألقى الشيخ سلمان فإنني لا أستطيع أن أصفه، فأنا لا أُرَتِّبه، ولكن لا أستطيع أن أرصده، لكنني لاحظته من خلال تعليق من يراني، وأذكر هنا مثالين: الأول: أذكر ذات مرة كنت في أبها، حيث كان معي الشيخ عائض وبعض الإخوة كنا ننتظر وصول الشيخ سلمان، فرأيت الدكتور محمد التركي يهمس في أذن مَن بجواره وينظر إليّ، ويضحك فعرفتُ أنهم يتحدثون عنِّي، فلما تقوّض المجلس رأيتهم يضحكون بشدة، قال: كنت أقول له لاحظ شكل عبد الوهاب إذا دخل الشيخ سلمان. قال هو يَثِب بطريقة خاصة وتلقائية، فكانوا هم رَمَقوها منِّي دون أن أشعر بها. الثاني: أنَّني عندما كنت في المستشفى، حيث كان قد ألَمَّ بي مرض ورقدت في المستشفى وكنت موضوعًا تحت أجهزة القلب وقياس الحرارة والضغط، وكانت اللوحة التي تقيس هذه الأشياء فوقي لا أراها، وكان عندي الأخ عمر الزيد فقالوا لي: لقد لاحظنا إذا قلنا لك جاء الشيخ سلمان أن مؤشِّر القلب يتحرك بشكل تلقائي. صديق بلا عيب وفي النهاية، وجه الشيخ سلمان رسالةً لكل من يريد صديقًا بلا عيب، قائلاً: "جلَّ مَن لا عيب فيهِ وعلا"، كل إنسان لابدَّ وأن يكون فيه جانب نقص أو عيب، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الموصلي يخاطب الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: خُلقتَ مبرَّأ من كُلِّ عيبٍ كأنكَ قدْ خُلقتَ كما تشاءُ وأضاف فضيلته: إن كتب الأدب حافلة بالحديث عن غدر الأصدقاء، وكما يقول الشاعر: أَيقَنتُ أَنَّ المُستَحيلَ ثَلاثَةٌ الغولُ وَالعَنقاءُ وَالخِلُّ الوَفي وكذلك كثير من الأشعار المحفوظة، والتي تجدها في دواوين الشعر، حيث تجد أبوابًا خاصة في غدر الأصدقاء وقصصًا وأشعارًا وكتبًا، مشيرًا إلى أنه من العدل أن لا يأخذ الإنسان هذا الكلام مأخذ جِدّ، وأن يدرك أنه إن خسر الأصدقاء فالعيب فيه هو، فربما يكون الإنسان نَزِق أو فيه حدة أو أنانية أو بخل أو أنه ينتظر من الأصدقاء ولا يُقدّم لهم، فالحياة أخذ وعطاء وبقدر ما تقدِّم بقدر ما تحصل.