في مشهد مؤثر انتقل فيه الحزن من الأعماق إلى لوحة فنية جسّدت مشاعر شعب بأكمله، تمثلت في صورة وداع للملك الراحل لتعتلي أحد أسوار دوار النورس على كورنيش مدينة جدة. شرع الرسام أحمد زهير في تصوير مشاعره على لوحة «أسمنتية»، تميزت ببساطة الأدوات المستخدمة فيها، إلا أنها كانت مثار جدل واسع وتداول كبير عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، واستخدم فيها أحمد لونين من ألوان «الإكليريك» وفرشة، وسارع لشراء سلّم يعتليه، ليبدأ برسم صورة الراحل الملك عبدالله، معللاً سبب اختياره لهذه الألوان كونها تحتمل التقلبات المناخية ومضادة للماء ولا تتغير مع مرور الزمن وسريعة الجفاف، رغبة منه في أن تبقى هذه الرسمة في هذا الجدار إلى الأبد. وأوضح زهير خلال حديثه ل«الحياة» أن فكرة اللوحة في مكان عام كانت هاجساً لديه منذ فترة طويلة، إلا أن الزمان والمكان لم يكونا حاضرين، وبعد فاجعة رحيل الملك عبدالله تفجرت في أعماقه الجرأة على اختيار المكان الأكثر مشاهدة من المارة لتكون صورته هي بداية باكورة أعمال مستقبلية للوحاته. وبدا الراحل الملك عبدالله في اللوحة مغادراً، مديراً ظهره عن كل شيء، لتكمل كلمات الشاعر سليمان الصقعبي من قصيدته «وين رايح»، التي اكتملت ليلة أمس عبر حسابه الشخصي في «تويتر» ونشرت بقيتها كاملة، ما بدأ به الرسام لوحته في خطّ الكلمات التي كان لها النصيب الأكبر في التداول لتعبيرها عن ألم فراق الشعب. امتزاج الصورة والكلمات كان يظهر كاستجداء لعودته بكلمات: «وين رايح... التفت سلّم علينا... ما روينا من حنانك... ومنك ما اكتفينا»، وسط تجمهر المارة الذين تسارعوا للوقوف منذ بدء رسمه إلى انتهاء لوحته، التي كانت تقول ما عجز عنه الناس في مشهد جسّد حال حزن جماعية. ونقلت ريشة الفنان مشاعر ملايين المحبين بإبداع فريد من الحزن، ما أوقف حركة السير تماماً حتى تدخلت إدارة المرور لإفساح الطريق أمام السيارات المتوقفة، فيما ظاهره كان اختناقاً مرورياً وحقيقته أصبح متنفساً عما يدور في أعماق الناس، بنقل مشاعرهم حيّة أمام أعينهم في تعبيرهم عن حبهم وولائهم لفقيد الأمتين العربية والإسلامية وفقيد السعوديين ووالدهم الحقيقي الملك عبدالله رحمه الله.