لم يصل الانقسام بين البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون ووزراة الدفاع الأميركية الى حدود قصوى حولها، ولكن فيما كان الرئيس يعتبرها «صوت الإنسانية»، كان بعضهم يأخذ عليها انها «عاطفية» و «متحيزة» أحياناً. وبين هذا وذاك ارتبط اسم كريستيان امانبور (كبيرة مراسلي شبكة «سي ان ان») عند الجمهور بأماكن النزاع في العالم، من أفغانستان الى البوسنة والهرسك الى كوريا الشمالية وأفريقيا والعراق وفلسطين وايران وسواها من المناطق التي جالت فيها ايام الأزمات أملاً ب«نقل صورة ما يجري هناك من ارتكابات ضد الإنسانية الى الرأي العالم العالمي». اليوم، بعد أكثر من 20 سنة من التجوال بين المناطق الأكثر سخونة، تخطو أمانبور خطوة تشكل في إطارها الخارجي نقيضاً لتاريخها المهني. إذ يبدو انها آثرت الابتعاد عن حياة الترحال والاستقرار من خلال تقديم برنامج ليلي سيبث يومياً ابتداء من الليلة مباشرة من نيويورك على قناة «سي إن إن انترناشونال» بعنوان «امانبور». فيما سيعرض ملخص عن أبرز مقابلات الأسبوع على قناة «سي إن إن» الأميركية المحلية في نهاية الأسبوع. فهل تعبت كبيرة مراسلي شبكة «سي ان ان» من العمل الميداني؟ «لم أشعر يوماً أنني تعبت من العمل الميداني»، تقول امانبور ل «الحياة»، وتضيف: «على رغم انني جبت العالم كله وغطيت أكثر الأحداث العالمية التي لا تصدق واكثر القصص الإنسانية تشويقاً، لا أزال أشعر بالإثارة كل مرة أستقل الطائرة واتوجه الى أفغانستان او ايران او العراق او افريقيا او غزة او اسرائيل او الضفة الغربية او كوريا الشمالية. فهذه المناطق زاخرة بالقصص الانسانية التي تجذبني كصحافية. وأنا أؤمن بأنه يمكننا كصحافيين ان نحدث فرقاً، إن لم يكن في العالم كله، فعلى الأقل في استيعاب الناس لما يجري من حولنا. وهذا دور حيوي جداً في عالمنا اليوم». الحب الاول ولكن، الم تتخل امانبور عن هذا الدور بعد ان أغرتها فكرة العمل في الاستوديو من خلال برنامج يحمل اسمها؟ تجيب: «حبي الأول هو للعمل الميداني. ولن أتخلى عنه في هذا البرنامج. سواء اكان ذلك عبر الاستمرار في صناعة الوثائقيات او حتى الانتقال بالبرنامج الى مواقع متنوعة. انا حقاً أريد ان أفعل هذا، لأنني أؤمن بأنك لا تستطيعين ان تكتفي بالجلوس في الاستوديو لتعرفي ماذا يحصل في العالم من حولك. فمهما كان من شأن خبرتك او اسلوبك في العمل انت بحاجة لتكوني في موقع الحدث لتلمي بما يحدث، ولتشعري بما يجري وتستوعبي التفاصيل. فالصورة تبدو مختلفة حين تنظرين اليها من بعيد، من هنا اريد الاستمرار في ما أفعله». فماذا عن هذا البرنامج؟ تجيب: «انه خليط من المقابلات الدسمة والاسئلة الصارمة التي لا تخلو من الاستفزاز والدقة والرؤية الواضحة والالمام بالتفاصيل. انه منتدى للسياسة الخارجية والنقاش والاستجواب. أريد من هذا البرنامج ان يؤكد ان هناك ما هو اكثر من الأخبار الآنية. وأعتقد انه سيشبع نهم الناس الذين يريدون ان يعرفوا ما يحصل خلف الأخبار. لذا سيقدم لهم خلفيات أكثر عمقاً، وقرائن أكثر دقة، وتحليلات ومعلومات، واستيعاباً لما يجري. واظن ان المشاهدين الذي سيتابعون البرنامج على شاشة «سي ان ان» سيكتشفون بسرعة كما ارجو انه البرنامج المعياري للحديث عن العلاقات الدولية. كما انه سيكون البرنامج الذي سيقدم تفسيرات أكثر ومعلومات وقرائن ووجهات نظر في كل الأخبار التي تنهال علينا كالقصف على مدار اليوم». وتضيف امانبور: «في ما يخصّ الضيوف، سنستضيف صنّاع الأخبار الكبيرة، أولئك المسؤولين عما يحصل في العالم ممن اختبروا هذه الأحداث او القادرين على ان يتكلموا عنها. لا نريد ان نتحرى عن الجرائم والعنف فحسب، إنما نريد ان نسلط الضوء أيضاً على بعض النواحي الإيجابية التي تحصل من حول العالم وفي حياتنا. هذا ما سأحاول ان أفعله وسأفعله في الخطوة التالية من مغامرتي التلفزيونية». ولا عجب في وصف كريستيان امانبور مسيرتها المهنية ب «المغامرة» التلفزيونية. ذلك ان اي عمل صحافي في اماكن التوتر والنزاعات في العالم لا يسلم من المغامرات، حتى وان كانت التسهيلات كبيرة بالنسبة الى كبيرة مراسلي قناة «سي ان ان». فهي معروفة ب «المراسلة الصحافية المرحب بها في اماكن يحظر على سواها من الصحافيين دخولها»، خصوصاً في العالم الإسلامي، هي التي ولدت في لندن من أب إيراني هو محمد امانبور، احد كبار المسؤولين السابقين في الطيران الايراني، وام انكليزية، ثم سرعان ما انتقلت الى طهران حيث ترعرت قبل ان تغادرها مع نشوب الثورة الإسلامية. ومع هذا فإن علاقتها بإيران لم تتزعزع هي التي سميت امرأة العام في ايران عام 1997، وكانت لها هناك صولات وجولات من التغطيات الصحافية، آخرها تغطية الانتخابات الرئاسية. شبكة امام هذا التاريخ المهني الحافل لا بد من ان تستغل امانبور شبكة العلاقات التي نسجتها طوال 20 عاماً من العمل الميداني لخدمة برنامجها الجديد. تقول: «لا شك في ان هذا البرنامج يمثل تحدياً جديداً لي. وما آمل تقديمه هو الصدقية والخبرة التي اكتسبتها خلال كل هذه السنوات من الطوفان حول العالم من خلال عملي الميداني في «سي ان ان». لقد شهدت الكثير من الأحداث. وآن الأوان لأستغل هذا كله. من هنا آمل الآن بأن اتمكن من مواجهة ضيوفي بهذه الخبرة، وان اكتسب انفتاحهم عليّ وثقتهم بي من خلال شعورهم بأنني اعرف الكثير عما يتكلمون عنه، وزرت الأماكن التي يتحدثون عنها وعملت فيها». امانبور التي وصفتها مجلة التايم ب «المراسلة الأجنبية الأكثر تأثيراً منذ إدوارد مورو»، تصف تجربتها التلفزيونية قائلة: «غالباً ما أقول ان ما أقوم به مهنة شاقة. ذلك ان تغطية الحروب والمذابح والمجاعات وسواها من الكوارث التي تصيب الإنسان هي طريقة شاقة لتمضي بحياتك وكأن شيئاً لم يكن. فمن الصعب ان تعود أدراجك وتعود الى حياتك الطبيعية بعد ان تواجه هذا كله. ولكن هناك طريقة ساعدتني لأُشفى مما واجهته وشاهدته، الا وهي وضع كل طاقتي الجسدية والفكرية في نقل ما يحدث». * «سي ان ان انترناشيونال»، 19 بتوقيت غرينتش.