أكد أستاذ الفقه المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز والمأذون الشرعي الدكتور أحمد بن عبدالجبار على أن وثيقة النكاح الصادرة من المأذون الشرعي لا يُطعن فيها. وأوضح أن أهمية عقد النكاح تكمن في أن القائم بتدوينه نائب عن القاضي الذي يندرج ضمن اختصاصاته توثيق عقد النكاح. ويستطرد: «لم يكن سابقاً تحرير وتوثيق عقود الزواج بواسطة القاضي أمراً واجباً، فقد بقي العرف والعادة قائماً في إتمام إجراءات الزواج من طريق العقود الشفوية التي ألفها الناس، ولكن مع اتساع الأمور واختلاف العصور سنّ ولاة الأمر أن يكون عقد النكاح لدى مُثبتٍ يتولاه». وأوضح أن جهة القضاء تعد مسؤولة ومشرفة على هذا العمل والقائمون عليه. وفي عام 1375ه صدر الأمر السامي بالموافقة على نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، ونصّت المادة ال88 على ما يأتي: «إعطاء الرخص لمأذوني عقود الأنكحة بعد إجراء ما تقضي به الأوامر والتعليمات الموضوعة لذلك والمبلغة إلى المحكمة، وتقديم كشف بأسماء المأذونين إلى رئاسة القضاء». وفي عام 1393ه صدر تعميم من وزير العدل في شأن عدم السماح بإجراء عقود الأنكحة إلا لمن يحمل رخصة تجيز له ذلك. وتوالت بعدها الكثير من التعاميم والأنظمة إلى أن صدرت موافقة وزير العدل حينها عبدالله آل الشيخ على لائحة ونظام مأذوني عقود الأنكحة، والعمل بها من تاريخه في مختلف الدوائر الشرعية. وجاءت اللائحة في 33 مادة توضح ضوابط عمل مأذوني الأنكحة، والشروط اللازمة لصحة إجراءات العقود، والتراخيص اللازمة والمسموحة لهم بها. ويوضح عبدالجبار في بحث قدمه الصفات الواجب توافرها في المأذون الشرعي، والشروط اللازمة لإصدار ترخيص بأن يكون سعودي الجنسية وألا يقل عمره عن 25 عاماً ولم يكن صدر في حقه حكم شرعي بحد أو بالسجن أو الجلد في جريمة تخل بالشرف والأمانة، ويكون ضابطاً متحرياً للدقة، حريصاً على التثبت من صحة ما يدونه، ولائقاً طبياً ومقيماً في المدينة التي يعيّن فيها، وأن يتوخى السرية التامة عند توثيقه للمعلومات وحفظها، وأن يكون عالماً بأركان وشروط صحة العقد، خبيراً بكل موانع انعقاده ومفسداته، وأخيراً بأن يكون حاصلاً على شهادة جامعية شرعية، وفي حال عدم توافرها تقبل الشهادة الثانوية، وبعد ذلك يجتاز الاختبار الذي تجريه المحكمة المتخصصة. ويبيّن قائلاً إن المأذون الشرعي لا بد من أن يكون عالماً بأركان وشروط عقد النكاح، «بداية من خلو الزوجين من الموانع إلى الإيجاب لفظاً الصادر من ولي المرأة، والقبول الصادر من الزوج»، وبتقدم الإيجاب على القبول من دون تأخر، وشروط النكاح من «تعيين الزوجين ورضاهما ووجود الولي للمرأة، والشهادة على النكاح من عدلين ذكرين». ويكمل: «يجب على المأذون أن يحمل ختماً خاصاً موضحاً فيه اسمه ورقم التصريح الخاص به وتاريخه والمدينة المعيّن فيها، يختم به وثائق عقود الأنكحة على أن يوجد له نموذج بالمحكمة التابع لها قضائياً لتتولى المصادقة على الوثائق الصادرة منه، ووضع ختم المحكمة الرسمي عليها». ويتطرق الباحث إلى اختصاصات المأذون الشرعي، إذ إنه يختص بتوثيق عقد النكاح للسعوديين فقط، أما ما يكون طرفاه أجنبيين أو أحدهما أجنبي ومنقطع الأولياء، فالعقد موكل بالقاضي، مع نقل ما دوِّن على وثيقة عقد النكاح من طلاق إلى هامش سجل ضبط الأنحكة وإعادتها إلى المحكمة، وإصدار بدل الفاقد من العقود الصادرة منه، وأن يقتصر عمل المأذون في حدود الولاية المكانية للمحكمة المختصة التابع لها، وإيضاح أهمية الفحص الطبي قبل الزواج». وشدد على أهمية الإجراءات التي لا بد للمأذون من أن يتخذها لحظة إجراء عقد النكاح، من حضور أطرافه - الخاطب والمخطوبة - وما يثبت شخصيتهم، والتحقق من توفر أركان وشروط النكاح وانتفاء موانعه، والتثبت من اكتمال الإجراءات النظامية اللازمة من إحضار الأصل لبطاقة الأحوال ودفتر العائلة، وعدم الاعتماد على جواز السفر، وتسمية الصداق ومعرفة قدره المعجَّل والمؤخر، وهل هو مسلم أم لا، والتأكد من رضا المخطوبة وموافقتها على النكاح، وتلقين طرفي العقد صيغة الإيجاب والقبول للنكاح، واستكمال المعلومات وكتابة تاريخ إجراء العقد ورقمه ومصدره، وكتابة رقم الأحوال للزوج والزوجة مع اسميهما، وكتابة اسم الولي والشاهدين، وأخذ توقيعاتهم في دفتر الضبط، وإفهام الزوج أن عليه مراجعة الأحوال المدنية لتسجيل العقد، وفي حال تأخره شهرين فيلزمه دفع غرامة مالية، وتحرر وثيقة عقد النكاح وتختم بختم المأذون الخاص به مع توقعيه وتسلّم الوثيقة للزوج، وفي حال كانت مطلقة فيعتمد المأذون في إجراء عقد النكاح على أصل صك الطلاق وصك حصر الورثة إن كانت أرملة. واعتبر أن من أهم السلبيات التي تواجه المأذون الشرعي صعوبة التحقق من شخصية الزوجة ورضاها، وإصرار بعض الأزواج على ذكر الهدايا المقدمة منه لزوجته وأمها وأبيها مع تسجليها في العقد تحرج بعض أولياء الزوجة من تحديد قيمة المهر لأسباب غريبة، ولكن لا بد للمأذون من معرفة المهر الحقيقي لتسجيله في عقد الزواج، ويذكر الباحث الصعوبة التي تواجه المأذون الجديد من الحصول على الأنظمة والتعليمات المرتبطة بعمله. وذكر أن بعض المأذونين يقعون في المخالفات والأخطاء الشرعية والنظامية وقال: «من الأخطاء الشائعة المتعلقة بعدم الترتيب الشرعي لولي المرأة المعقود عليها كالعقد بولاية الأخ الشقيق مع وجود الجد أو العقد بولاية الأخ للأب مع وجود الأخ الشقيق، ومن الخطأ الاكتفاء بصورة من الوثائق المطلوبة من دون الاطلاع على الأصل، وتدوين الصداق بعبارة «متفق عليه» وعدم ذكر قدره، وتغيير المأذون ختمه الخاص من دون إشعار المحكمة أو أخذ موافقتها، وعدم أخذ موافقة الزوجة وشروطها، وأخذ مبالغ من الناس في مقابل إجراء عقود الأنكحة». ولفت إلى أن جميع المأذونين الحاصلين على تراخيص إجراء عقود الأنكحة خاضعون للعقوبات التأديبية التي يجوز توقعيها عليهم في حال مخالفتهم الإجراءات، وصدر بذلك تعميم قضائي على المحاكم كافة ومأذوني الأنحكة، ونصت الفقرة (ب) على أنه «يعاقب من يخالف إجراءات عقود الأنكحة وضوابطها بالعقوبات الآتية: - الإنذار - إيقاف الرخصة مدة لا تزيد على سنة - إلغاء الرخصة». فيما نصت الفقرة (ج) على أن «تختص بإيقاع العقوبات المذكورة في الفقرة (ب) لجنة يشكلها وزير العدل من عدد لا يقل عن ثلاثة أعضاء يكون أحدهم مستشاراً نظامياً، وتصدر قراراتها بالأغلبية بعد إجراء التحقيق اللازم مع المأذون وسماع أقواله، ويعتمد وزير العدل قرارات هذه اللجنة، ويجوز لمن يصدر ضده قرار بالعقوبة التظلم أمام ديوان المظالم خلال 60 يوماً من تاريخ إبلاغه بالقرار». ويوصي عبدالجبار كل مأذون بالإحاطة بما يستجد من تعليمات تخص العمل الذي يقوم به، منبهاً إلى العقوبة التي تشمل «كل من أجرى عقد نكاح ولا يحمل ترخيصاً بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وغرامة مالية تحددها الجهات المختصة»، ولتجاوز السلبيات اقترح عبدالجبار أن تمنح وزارة العدل القائمين بمهمات المأذونية مكأفاة مالية أسوة بما هو حاصل في أعمال الحسبة الأخرى، لاسيما وأن الوزارة وضعت أنظمة ولوائح لعقوبات وتأديب المأذون الشرعي إذا أساء أو أخطأ، فمن العدالة أن يكافأ إذا أحسن، وإصدار بطاقة شخصية معتمدة من وزارة العدل له، مطالباً بإنشاء جمعية سعودية باسم المأذونين الشرعيين بإشراف وزارة العدل.