جمع ريبرتوار موسيقي فريد بين إيقاعات الجاز الأميركية العصرية وإيقاعات الطبول النوبية التراثية، في عرض قدّمته فرقتا «ثلاثي بومبي» للجاز (نيويورك) و»الطبول النوبية للتراث الشعبي» (مصر)، في مركز الحرية للإبداع في الإسكندرية. فكانت أمسية فنية مبهرة تنوعت فيها الأشكال الموسيقية المعاصرة التي امتزجت بالرقص النوبي التراثي، وتحول الأداء الموسيقي إلى مبارزة غريبة بين الفرقتين وبين موسيقى صاخبة ذات تأثيرات متعددة من الجاز والبلوز والموسيقى النوبية التراثية التقليدية ذات السلم الموسيقي الخامس، في محاولة لمزج الإيقاعات والأنغام ودمج التقاليد مع إبقاء الهوية الثقافية للفرقتين. اجتمع الشرق والغرب في الحفلة التي التقى فيها عشق الموسيقى ورقي الأداء والحرفية. وعلى رغم أن الفرقتين متباعدتان ثقافياً وحضارياً، فإنهما نجحتا في تقديم عرض مبهر تكاملت فيه الدفوف والطبول الكبيرة والصغيرة والمزمار والنقرزان مع الغيتار الكهربائي والدرامز لتظهر الموسيقى كلغة عالمية قادرة على توحيد الثقافات والشعوب. ويضم «ثلاثي بومبي» عازف الدرامز كريس دوروزا، والمغني عازف الغيتار دان باسيووني، وعازف الغيتار الإلكتروني ثيموثي ريس، بينما تضم الفرقة النوبية فكري الكاشف وحمدي شلالي اللذين يعزفان على الآلات الموسيقية النوبية الشعبية المختارة من أقاليم مصر والتي ترمز إلى روح الشخصية المصرية المتفردة. الحفلة أثارت حماسة الحضور الذي تفاعل بقوة مع العازفين، تحت وطأة دقات الدفوف القوية وضربات الطبول الصاخبة وإيقاعات الجاز الصارخة، فلم تكف الأيدي عن التصفيق والأجساد عن التمايل والحناجر عن الغناء. وازدادت الحماسة عند ظهور فرقة الرقص النوبي بملابسها التقليدية المميزة حيث اصطف النساء والرجال في نصف حلقة يشبكون الأيادي ويتحركون في حركة بطيئة، على إيقاعات الدفوف والدرامز، نصف خطوة إلى الأمام، ثم إلى الخلف ثم يهتزون يميناً ويساراً، وتتقدم النساء بصدورهن في انحناءة خفيفة ثم تتقدم سيدة من الجهة اليمنى وترقص في حركة أسرع. وشارك الجمهور في حلقة الرقص هذه، فتحولت القاعة إلى مسرح كبير يرقص فيه الجميع متشابكي الأيادي في شكل هزّات ثم تتحول الهزّات إلى رقصات عصرية. ويقول الفنان الأميركي دان باسيووني عن تجربته مع الفرقة النوبية: «قابلت أناساً رائعين، ولا يسعني الانتظار للعودة إلى بلادي لأحكي لهم عن الخبرة وعن الموسيقى النوبية والتمازج الرائع الذي قدمناه مع موسيقى البوب والجاز». ويؤكد أن الموسيقى لغة عالمية يمكنها أن توحد بين الثقافات، فهي فرصة لتقارب الرؤى والحوار بين مختلف مناطق العالم بعيداً من صخب السياسة وصراعاتها. أما فكري الكاشف، فيرى أن الانفتاح على الثقافات والتماهي معها يشكلان فرصة جيدة لنشر الثقافة النوبية وللحفاظ على التراث الغنائي والإيقاعي الذي نبع من نهر النيل بالطريقة والأسلوب واللكنة النوبية القديمة. ولفت إلى أن قرب السلم الخماسي النوبي من موسيقى الجاز والبلوز، أعطى هذه التجربة مع فرقة «ثلاثي مومبي» زخماً قوياً. وقدمت الفرقتان العديد من أغاني البوب والجاز والروك والبلوز على الإيقاعات النوبية، كما قدموا أغاني نوبية تراثية تنوّعت مواضيعها حول الحب والعشق واحترام الآخر والإنسانيات وتكريس ثقافة العيش بسلام.