يعرّف الموقع الإلكتروني ل«مهرجان بيت الدين» بالعازف الأفريقي - الأميركي جورج بنسون (مواليد عام 1943)، بأنه من العمالقة في تاريخ عزف موسيقى الجاز على الغيتار، إضافة إلى كونه مغنياً ذائع الصيت لنوع يُعرف باسم «الجاز الروحي» Soul Jazz. ويشير الموقع الإلكتروني أيضاً إلى فوز بنسون بجائزة «غرامي» للموسيقى غير مرّة، ما يؤكد مكانته كعازف غيتار لا يكاد يضارع. وقدّم بنسون عرضاً استمر أكثر من ساعتين، من موسيقى تمزج ألحان ال»بوب» مع الجاز، بمساندة فرقة قادها ديفيد غارفيلد، وهو مؤلف لموسيقى الجاز اللاتيني وعازف على لوحة المفاتيح الموسيقية. ووصلت فرقة غارفيلد الى بيت الدين في مستهل الشق الآسيوي من جولة عالمية لها. وثمة لحن معروف لبنانياً وعربياً، للجاز اللاتيني المعزوف على الغيتار هو «غوانتناميرا»، التي تشير (وللمفارقة) إلى منطقة «غوانتنامو» في كوبا. نعم. انطلق هذا اللحن الراقص من المنطقة التي تستضيف السجن المشهور، حيث حدث الإنزال الأميركي الشهير في سياق أزمة الصواريخ الكوبية في منتصف خمسينات القرن الماضي. وعلى خلفية من الأقواس الإسلامية - القوطية لقصر بيت الدين، إصطفّت فرقة من خمسة عازفين مع آلاتهم. في الوسط، هناك ال«درامز» مع الطبول والأطباق النحاسية المعروفة لهذه الآلة المُركّبة. وعلى الجانبين، عازف غيتار إلكتروني، وعازف على لوحة مفاتيح إلكترونية، أدخلها تطور الكومبيوتر إلى عالم الموسيقى. وتولى المؤلف الموسيقي غارفيلد العزف على لوحة مفاتيح موسيقية. وبصوت جهوري ولكنة خفيفة الوقع، صرخ «كيف حالكم؟... مرحباً بيروت». ثار تصفيق جمهور نجح في ملء مقاعد القاعة الرحبة للمهرجان. وبطريقة هوليوودية، دخل بنسون. جسد لم يستطع مقاومة ترهل أواخر الكهولة، على رغم بقاء صوته ويديه في فورة ستينات القرن الماضي. ارتدى بنسون بنطالاً أبيض وقميصاً فضفاضاً أسود، فوق «تي شيرت» كحلي غامق. برزت السلسة الذهبية السميكة مع خاتم ذهبي اللون وساعة يد كبيرة، وتلك أشياء اشتهر بها الموسيقيون الأفارقة - الأميركيون، منذ ستينات القرن الماضي أيضاً. في إحدى لحظات الحفلة، نطق بنسون بكلمات عربية: «شكراً. أحبكم»، لكنه استهلها بثلاثة فواصل من موسيقى جاز الغيتار اللاتيني، الذي يذكّر بقوّة بأعمال موسيقار الغيتار المشهور باكو دي لوشيا، الذي يعتبره كثيرون أباً روحياً لهذا النوع من العزف. قبل إنطلاق حنجرة بنسون بألحان «الجاز الروحي» المُطعّم بنكهة الغيتار اللاتيني، عُزِفت مقطوعة ببراعة عزف عالية، خصوصاً في «دويتو» جاز مديد الأنفاس، تقاسمه غارفيلد وبنسون. وأثارت براعة العزف تصفيقاً طويلاً من الجمهور، الذي تفاعل في شكل متصاعد مع أغانٍ مثل «شيء ما تغيّر» و»في مكان ما» و»دعني أحبّك مرّة اخرى» و»في عينيك» و»لا أريد الحب من دونك» وغيرها. تمايل جسد بنسون بتؤدة، مع اليد على البطن جرياً على عادات الرقص في أميركا اللاتينية، وإن أبطأه زحف السنين. في نقطة ما، قال بنسون لجمهوره بالإنكليزية: «ها نحن نعزف ال»سوينغ» في بيروت». والمعروف أن ال»سوينغ» هي الموسيقى الراقصة التي سبقت تبلوّر الجاز الحديث. واستطراداً، ليس من المبالغة القول أن الموسيقى التي مزّجت البوب (وهي من صنع «البيض» أساساً في أميركا) مع الجاز بطابعه الإفريقي- الأميركي، مهّدت لأنواع الموسيقى المعاصرة مثل ال»ريف». وفي إطار المزج والتعدد، وهما من مداخل التغيير والإبداع، يحتوي الجاز الروحي على الجاز التقليدي وال»بلوز» الريفي وإنشاد التراتيل الإنجيلية. ثمة خليط ضخم في هذه الموسيقى، التي احتضنتها أقواس قصر بيت الدين.