قال الجيش الجزائري إنه يرفض ما سمّاه «التأويلات المغرضة» التي سيقت ضمن تحليلات تحدثت عن التغييرات التي أجراها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة داخل جهاز الاستخبارات الذي يوصف ب «عصب السلطة» في البلاد. وقال مراقبون إن الجيش يقصد في رده قراءات اعتبرت التغييرات الأخيرة «تصفية حساب» طالت خصوم بوتفليقة قبل موعد الرئاسيات المقبلة. لكن المؤسسة العسكرية أكدت أن «التغيير الذي تم استكمال لمسار احترافية الجيش». وأصدرت وزارة الدفاع الجزائرية أول تعليق لها على تحليلات تناولت التغييرات الأخيرة التي طاولت جنرالات نافذين في جهاز الاستخبارات وشملت أيضاً حل مديريات وإلحاق أخرى بقيادة الأركان. وذكرت وزارة الدفاع في افتتاحية مجلة «الجيش» التي تصدر عنها وتُعتبر لسان حال المؤسسة العسكرية، أن الجيش يرفض كل «التأويلات المغرضة التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار وزرع الشكوك حول وحدته وصلابته وتماسكه وذلك عقب التغيير الأخير الذي قام به رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني على مستوى بعض الإدارات التابعة للجيش». وأشار الجيش في عدد أيلول (سبتمبر) للمجلة (حصلت «الحياة» على نسخة منها) إلى أن الرئيس بوتفليقة أجرى تغييرات داخل المؤسسة العسكرية بما في ذلك التعديل الحكومي «العميق» الذي تضمّن تعيين نائب لوزير الدفاع، لكنه قال إن ما حصل «يأتي في إطار استكمال مسار عصرنة واحترافية الجيش الوطني الشعبي، أخذاً في الاعتبار الظروف السائدة بالمنطقة والمتغيّرات الدولية والإقليمية». وتابعت الافتتاحية: «بعض الأطراف والأقلام تناول هذه المواضيع بشكل يتنافى والعمل الصحافي النزيه من خلال إصدار أحكام مسبقة وتقييم للحالة السائدة في صفوف المؤسسة العسكرية معتمدة على معلومات مغلوطة ومصادر مجهولة لا صلة لها بالجيش». ومعلوم أن الرئيس الجزائري استحدث منصب نائب وزير الدفاع وأسنده إلى الفريق أحمد قايد صالح الذي يشغل أيضاً منصب رئيس أركان الجيش. ويوصف قايد صالح بالرجل المقرب من بوتفليقة وأحد أهم من يثق الرئيس بهم داخل المؤسسة العسكرية. ودفع هذا التغيير إلى إنهاء مهمات اللواء عبدالمالك قنايزية الذي كان في منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع. واتهمت المؤسسة العسكرية أصحاب «التأويلات» بأنهم يروّجون لمعلومات «مغرضة تسعى إلى زعزعة الاستقرار وزرع الشكوك حول وحدة وصلابة وتماسك الجيش الذي برهن مرات عدة وفي ظروف صعبة للغاية وحدته وانتماءه للوطن والوطن فقط». وربما تلمّح وزارة الدفاع، في هذا السياق، إلى قراءات صنّفت قرارات بوتفليقة بالتي تستهدف إضعاف الفريق محمد مدين (توفيق) المسؤول الأول عن جهاز الاستخبارات وبالتالي تقييد قدراته في صناعة الإجماع حول مرشح محتمل للرئاسيات المقبلة، فقد طاولت تغييرات بوتفليقة جنرالات وصفوا ب «رجال توفيق» وإدارات ذات صلاحيات غير محدودة بحل المصلحة المركزية لأمن الجيش وإلحاق مركز الاتصال والصحافة بقيادة الأركان، ثم إجراء تغييرات على رأس مديرية الأمن الخارجي، وكذلك مديرية الأمن الداخلي، وتعيين الجنرال محمد بوزيد في منصب الجنرال رشيد لعلايلي (عطافي)، وتعيين الجنرال علي بن داود في منصب الجنرال بشير طرطاق (عثمان). ونصح الجيش الجزائري من سماهم «أصحاب هذه التأويلات» بأنه عليهم «تحرّي الحقيقة حفاظاً على سمعة وقوة مؤسسات الجمهورية لنرفع التحديات التي تواجه الجزائريين جميعاً». وذكّر بأنه «مؤسسة وطنية جمهورية يؤدي مهمته النبيلة في ظل الاحترام الصارم للدستور والانسجام التام مع القوانين التي تحكم سير مؤسسات الدولة». وأكد أن «الجيش الوطني الشعبي الذي كان دائماً الصخرة التي تتحطم عليها الأطماع والمؤامرات، ساهم بشكل حاسم في إنقاذ الجمهورية من الانهيار والسقوط تحت ضربات الإرهاب المدمر». واختلفت القراءات حول التغييرات التي أجراها بوتفليقة والتي تمت بمجرد عودته من رحلة علاج طويلة في باريس. فالملفت أن الرئيس «تعايش» مع جهاز الاستخبارات حتى لما كان في عزّ حكمه، ولذلك فقد طُرحت تساؤلات حول سبب لجوئه إلى هذا التغيير الكبير في نهاية ولايته الثالثة وهو مُقعد في كرسي متحرك. ولم يتضح ما إذا كانت هذه التغييرات في أي حال جاءت بالاتفاق مع الفريق محمد مدين (توفيق) المسؤول الأول عن الاستخبارات الجزائرية. وفي سياق آخر، ألغت رئاسة الجمهورية اجتماعاً مفترضاً لمجلس الوزراء كان متوقعاً أن يرأسه بوتفليقة عصر أمس. وسارعت الرئاسة إلى إبلاغ الوزراء بأن الاجتماع قد أرجئ ربما إلى السبت المقبل، من دون توضيح الأسباب. ونقلت مصادر أن الاجتماع سيعقد في مقر رئاسة الجمهورية الذي سيدخله بوتفليقة للمرة الأولى منذ إصابته بجلطة دماغية في نهاية نيسان (أبريل) الماضي.