تابع العالم في الأسابيع الماضية المعركة الدائرة لإنقاذ مدينة كوباني السورية من تنظيم «الدولة الإسلامية» لكن الجهاديين يعملون للسيطرة على هدف أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، هو محافظة الأنبار، غرب العراق والطريق المؤدي منها إلى بغداد. هذه المنطقة الشاسعة التي هبّت عشائرها السنّية عامي 2006 و2007 لطرد تنظبم «القاعدة»، بالتعاون مع الأميركيين، أحكمت «الدولة الإسلامية» السيطرة عليها خلال عام 2014 وحولتها إلى معسكر قبل أن تتمكن الحكومة العراقية من التحرك. وفي الأنبار أهم قاعدة جوية هي عين الأسد، وسد حديثة، وهو منشأة لها أهمية كبيرة في البنية التحتية للبلدات المحيطة بها، ويطوقها «داعش» في الغرب، من الحدود السورية، ومن الشرق في الأجزاء التي يسيطر عليها من الرمادي. وقال ديبلوماسي أجنبي يعمل في بغداد إن «داعش» يملك من أسباب القوة خلال العام الماضي ما جعله «مثل أخطبوط يلتصق بوجهك». وأصبح في وسعه السيطرة على طريق مفتوح من الحدود السورية إلى بغداد. ويخشى مقاتلو العشائر السنّية من قلة عددهم مقارنة بمقاتلي «داعش» ويقولون إن الجيش الأميركي والحكومة العراقية لا يرسلان إليهم الدعم الكافي. ويقول المقاتلون إن الأسلحة غير كافية والضربات الجوية التي تقودها الولاياتالمتحدة لا يعتد بها، بل إنهم حاولوا ذات مرة أن يصلوا إلى القائد الملائم أو السياسي الذي يعتمدون عليه وينقلون إليه طلب المساعدة. وقال عضو مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي: «لولا مقاتلو العشائر لسقطت الأنبار». وأضاف أن 80 في المئة من المحافظة يخضع لسيطرة «داعش»، ويخضع الباقي لسيطرة بعض قوات الأمن ومقاتلي العشائر. فرق الجيش العراقي الرئيسية في الأنبار هي السابعة والثامنة ة والتاسعة والعاشرة والثانية عشرة، وقد تفككت. وتقول مصادر طبية وديبلوماسية إن 6000 جندي قتلوا حتى حزيران (يونيو) الماضي، بينما هرب من الخدمة ضعف هذا العدد. ويربك الصورة وجود الجنود الوهميين، وهم الذين توجد أسماؤهم في قوائم الأجور، لكنهم ليسوا في الخدمة ولا يقاتلون، ويذهب جزء من أجورهم إلى جيوب القادة. وكانت هذه الظاهرة مواكبة للإنهيار السريع الصادم في الموصل. ويقدر ضابط استخبارات في الأنبار عدد الجنود الذين يمكن أن يكونوا في قوائم الأجور بستين الفاً، بينما الحقيقة لا يوجد أكثر من 20 ألف جندي في المحافظة. وأشار الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأميركية، إلى أنه على النقيض من وضع الجيش العراقي فإن عديد قوات «داعش» لم يتغير منذ الصيف، عندما كان المقاتلون السنّة الموالون للحكومة يحذرون من أن الأنبار يمكن أن تسقط. وأقر في حديثه إلى الصحافيين في البنتاغون الجمعة الماضي بأن الوضع في الأنبار مشحون. وقال: «سأصف المحافظة بأنها قيد المنافسة». ومن العوامل التي تمثل عبئاً على الجيش العراقي أيضاً، تركة الطائفية في الأنبار التي غضب سكانها من حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وسخطوا عليه عندما أمر القوات بفض اعتصام في الرمادي أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. تمرد العشائر الذي تبع فض الاعتصام دفع «داعش» إلى دخول المدينتين الرئيسيتين في المحافظة وهما الفلوجة والرمادي. استمر العنف شهوراً، إلى حين تسلم رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي مسؤولياته. الآن فقط، بدأ يظهر تحول وسط سكان الأنبار الذين يتساءلون عما إذا كانت الحكومة الجديدة تتجه إلى تحول حقيقي. وفرض العبادي حظراً على الغارات الجوية في المناطق السكنية، وهو تحول هائل عن أفعال المالكي التي تسببت في تشريد 500 ألف من سكان الأنبار. كما جنّد رئيس الوزراء الجديد شخصيات بارزة في العشائر كان لها دور مهم خلال التمرد السابق على القاعدة عامي 2006 و2007 في قوات الأمن. لكن ضابط الإستخبارات حذر من أن الحرب يقودها رجال عيّنهم المالكي. وقال عضو في مجلس محلي إن القيادة العسكرية تجعل الأنبار محافظة فاشلة بسبب سوء التخطيط. وأوضح هذا المسؤول، مشترطاً ألا ينشر اسمه، أن «العدو يفوقنا في العديد والعدة.» وأضاف: «إذا كانت هناك معركة تحتاج إلى فوجين ترسل قيادة العمليات فوجاً واحداً، هذا العدد لا يمكن أن يصمد أمام قوة العدو ويسقط خلال ساعات». وقال النائب حامد المطلك، وهو عضو في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، إن هذه العوامل ساعدت الدولة الإسلامية في الاستيلاء على هيت والكبيسة في وسط الأنبار. وأكد ضابط، مشترطاً ألا ينشر اسمه، إن «قواتنا بدأت تنهار أمام هجمات الدولة الإسلامية المتكررة.» وأضاف: «فقدنا السيطرة على معظم الطرق الأساسية حول الرمادي، ما جعل من الصعب للغاية الحفاظ على تدفق الإمدادات إلى المعسكرات.» وحذر من أن العتاد في الجزء الغربي من المحافظة يحتاج إلى إصلاح. وأضاف: «الآن معظم عرباتنا المدرعة ودباباتنا لا تعمل وعملية الإخلاء تزيد صعوبتها للغاية». في أقصى غرب الأنبار يتوقع سقوط قاعدة عين الأسد الجوية التي توفر الامدادات لمقاتلي العشائر والقوات العراقية التي تسيطر على سد حديثة. وليس لدى الحكومة والجيش الأميركي والقوات العراقية حل لمساعدة العشائر التي حوصرت بلداتها قرب القاعدة. ففي قرية زاوية البو نمر التي تبعد 45 كيلومتراً، شمال شرقي الرمادي تقاوم عشيرة البو نمر «داعش» منذ بداية الشهر الجاري، معتمدة على الإنزال الجوي لكميات صغيرة من الذخيرة لكن استمرارها محسوب بالدقيقة. وقال أحد قادتها: «إذا سقطت عشيرتنا فسيوجه ذلك ضربة قوية إلى كل العشائر المقاتلة في الأنبار». وتعجب من أن المقاتلات الأميركية لم تقصف الإرهابيين الذين يطوقونها، على رغم أنهم مكشوفون. وأضاف: «أعطينا القوات الأميركية معلومات عن الأماكن الدقيقة لبعض مواقع الدولة الإسلامية... لكنها لم تهاجمها». وتابع إن الأسر المحاصرة تعتمد على إشعال النار في الخشب للطهي ولا تستطيع الوصول إلى حقولها ولذلك تزرع الخضروات في حدائق البيوت. وزاد: « تقريباً نفدت كل المؤن ونعيش على التمر والماء». وتحاصر «داعش» مدينة عامرية الفلوجة التي تبعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من بغداد منذ نحو أسبوع. وقال اللواء فيصل الزوبعي، قائد الشرطة في البلدة الذي قاتل القاعدة في 2007 في الفلوجة إنه كابد كثيراً من أجل الوصول إلى الأميركيين ليطلب منهم توجيه ضربات جوية إلى الإرهابيين المحتشدين حول البلدة. وأضاف أنه اجتمع مع ديبلوماسيين وضباط أميركيين في بغداد فحضّوا المقاتلين على العمل لإخراج عناصر «داعش» من مخابئهم كي يسهل قصفهم. فاتصل، الزوبعي وهو محاصر بالسياسيين والمدنيين في بغداد، وأرسل إليهم رسائل بالهاتف، عندما اعتقد أنهم يمكن أن يوصلوه إلى القائد العسكري. لكن في الوقت الذي وصل إلى الوسطاء الأميركيين اختبأ الإرهابيون في القرى المجاورة وأخفوا أسلحتهم. وفي غضون أيام تم تعزيز عامرية الفلوجة بوحدة عسكرية. ومع ذلك تسلل انتحاري إلى البلدة وقتل ضابطاً كبيراً الأحد الماضي. وفي الوقت الحالي تم فتح طريق إلى الجنوب لكن «داعش» ما زال يطوق البلدة من الشمال وأثبت قدرته على استعادة الأرض التي يفقدها. وقال الزوبعي إنه توسل الحكومة العراقية والجيش الأميركي لتسليح رجال الشرطة الذين يقودهم ليستطيعوا الصمود. وأقسم أنه سيسترد الفلوجة إذا أعطوه السلاح.