«بصراحة العدسة أصبحت جزءاً مني»، بهذه الكلمات بدأ المصوّر الصحافي السوري عمار عبد ربه حديثه إلى «الحياة» حول العلاقة الحميمة التي تربطه بعدسته. ويقول: «حينما يتندر الناس يقولون: هذه عينٌ ثالثة. وهذا صحيح، لا أخرج من البيت إلاَّ والكاميرا برفقتي، وحين أكون خارج البيت وأرى كادراً مناسباً للتصوير، ولا تكون الكاميرا معي، أتحسر». عدسة المصوّر التي التقطت لحظات تاريخية من حياة بعض الزعماء العرب والأجانب، كانت الوسيلة التي عرّفت الناس به، «أنا مدينٌ لها، لولاها لما عرفني أحد». أيهما له السبق في أفضلية التقاط الصورة النموذجية، الذائقة الجمالية أم التقنية واحترافية الكاميرا؟ يجيب: «من الطبيعي أنَّ التكنيك أهم شيء في التقاط الصورة، ويجب أن تكون هناك ثقافة عالية في هذا المجال. في الآونة الأخيرة أحدثتْ التكنولوجيا ثورة في مجال التصوير، خصوصاً خلال السنوات العشر الماضية وبفضل ما تقدمه من كاميرات تصوير حديثة فيها بسَّطتْ التقاط الصورة، فأصبحَ بإمكان كل إنسان التقاط الصور من دون معرفة بثقافة التكنيك أو فتحة العدسة أو سرعتها، ولا كل هذه الأشياء التي تعلمناها وعشنا معها». ويضيف: «التكنيك اليوم ليس له أهمية، بل صارت الأهمية الأولى للمشهد أو المنظر أو كادر اللحظة التي يتمكن الفنان عبرها من التفاعل لخلق إبداع بصري حقيقي ومدهش. نحن نعيش في عالم كل شيء فيه متحرك حيث توقف الصورة هذه الحركة وتجمدّها لعشرات السنين. إمكان التقاط هذه اللحظة هو ما أسميه التكنيك النموذجي». لكن يطرح السؤال عن جدوى وجود الصورة الفوتوغرافية في ظل وجود الفيديو؟ يشرح: «اليوم نجد الفيديو في كل مكان، ولكن لا يمكن أن تقف أمام الفيديو وتتمتع بمقدار الانجذاب نفسه الذي تولّده الصورة. كل مرة تقف أمام الصورة تكتشف شيئاً جديداً وتبحث عن تفاصيل ولمسات جمالية أكثر تخصيصاً لا تجدها في فن تصوير الفيديو». روح الصورة: ثيمات إنسانية اشتهرت بالتقاط لحظات فريدة في حياة الزعماء، ما سرّ هذه التجربة الناجحة؟ يقول عبد ربه: «الزعماء لديهم كثير من الصور. لكني أبحث عن روح الصورة. الملكة إليزابيث مثلاً لديها عدد لا يحصى من الصور حتى على الطوابع البريدية، إنما حين التقطت صورة لها بحثت عن شيء مختلف ومتفرد لا يجعل من ثيمات صوري شيئاً مشابهاً لثيمات عدسات سابقة التقطت صوراً للملكة». هكذا يشرح عبد ربه العلاقة التي تعتمد على روح الصورة وجماليتها، بعيداً عن العوامل التي تكون مهمة بشكل جزئي فقط، بينما الدور الأكبر هو لتقنية المصوّر وجمالية عدسته. وعن الروح المجسدة في صورة الملكة إليزابيث، يروي: «في كثير من الأحيان تكون الصورة ابنة الصدفة البحتة. بالنسبة إلى الملكة إليزابيث التقطتها عدستي صدفة. واتخذت في لحظتها قراراً بنشر هذه الصورة. ربَّما يكون زميل لي إلى جانبي التقط الصورة نفسها، وخوفاً من إظهار هذه الشخصية بشكل مؤنسن والتسبب بكسر النمطية التي تعود عليها الناس من القوة والعنفوان، امتنعَ عن نشرها». ويضيف: «أحرص دائماً على البحث في التفاصيل الإنسانية ليبقى الحاكم أو الشخصية المشهورة يحاكم نفسه على هذا الأساس القائم على اشتراط إنساني. وهذا ما يجعلني في كثير من الأوقات ميالاً وراغباً في الثيمات الإنسانية، مثلما يقول الآخرون عني». ما هي الثقافة البصرية، بالنسبة إلى الرؤية والرؤيا البصرية لعدستك؟ يجيب: «أنا مصور عادي، ودائماً كنت أوصي زملائي المصورين: يجب أنْ تقرأ من تصور. بمعنى أن تكون عارفاً للتفاصيل والمعلومات التي تساعدك على التقاط صورة نموذجية. هناك مصورون يُصرون على إظهار الزعماء بالطريقة التي يصورون فيها لاعبي كرة القدم. مثلاً الملك عبدالله الثاني يحب الطبخ، حينما طلبتُ منه بطريقة مناسبة أن أصوره وهو يطبخ فوجئ ولم يمانع ودعاني إلى العشاء. صوّرته وهو يطبخ. هنالك بديهيات يجب أن تتوافر في المصور الصحافي، الحد الأدنى من المعلومات يجب أن يكون في جعبته من أجل أن يتمكن من تحديد قراراته وخياراته». لقطة غير عادية تعليقاً على صورة الرئيسين جورج بوش الابن وجاك شيراك التي أظهرت المواجهة البصرية بينهما خلال الاحتفالية السنوية بذكرى الحرب العالمية الثانية في عام 2004، عقب سنة من غزو العراق والخلافات التي نشبت على خلفيتها بين الزعيمين، يقول عبد ربه: «هذه الصورة بالذات هي إحدى الصور التي تمرّ بمحاذاة عدستك وهي خاضعة لتقديرها فقط. ذهبت لأصور حدثاً عادياً ومملاً بما يتضمنه من بروتوكولات، لكن في هذه اللحظات تجد شيئاً غير عادي. حين تفتش عنه تجده. حين التقطتها لم أجدها صورة. وبعد الانتهاء من البحث بين الصور، وجدت أنها لقطة غير عادية، لأنها تحوي تفاصيل مواجهة بصرية. مواجهة الكاوبوي/مواجهة رعاة البقر. جاءت صورة تعبر عن موقف سياسي، بعد سنة من حرب العراق». ويضيف: «أحيانا تجد صورة ليس لها علاقة بالحدث، وهنا يلعب الحظ دوره، لا تكنيك هناك ولا ذكاء. فقد تكون في مكان على منصة ما وإلى جانبك 30 صحافياً، ولكن الصدفة تلعب دورها وتعطيك مكاناً مناسباً للكادر، على أن يكون المصوّر نفسه دائماً مستعداً». لكن بماذا تشعر عندما ترى صورك التي التقطتها لبعض الطغاة العرب والذين قامت ضدهم ثورات شعبية خلال الآونة الأخيرة؟ «عدستي لم تستحضر هؤلاء الزعماء ولم تخترعهم أو تمجّدهم. هم موجودون من عشرات السنين وأنا التقطت صوراً فريدة لهم ومعبّرة فقط، كما صوّرت تظاهرات شعبية قامت ضدهم... أقدّر أن كثراً لا يريدونني أن أعرض صوراً للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، أو للرئيس بشار الأسد، وكأنهما لم يكونا يوماً على هذه الأرض. أعتقد أن هذا خطأ لأنه يمحو ذاكرة جماعية وتوثيقاً لحقبة مرّ فيهما الشعبان التونسي والسوري. لا بد أن نحتفظ بهذه الصور ونعرضها احتراماً للتاريخ حتى ولو كان هذا التاريخ أسود، وذلك من شأنه أن يعلّمنا عدم تكرار نماذج بحجم هؤلاء الطغاة». من المعروف أن عمّار عبد ربه مصور لحظات بروتوكولية ورسمية وصور مسلية وعروض أزياء عالمية، ولكن كان للحروب (العراق والبوسنة) والثورات (سورية وليبيا) نصيب من عدسته. لكنه يعتبر نفسه «مصوراً صحافياً بامتياز ما يفرض عليّ تصوير أشياء مختلفة سياسية واجتماعية وترفيهية. لكن الثورات العربية تلمسني بشكل أكبر ومباشر». ويضيف: «بصراحة لا تروق عدستي صور الحرب والدمار ورؤية الموت والألم والحزن والفراق». أما عن زيارته الأخيرة لمدينة حلب فيقول: «كنت أتحيّن فرصة الذهاب إلى سورية المحررة منذ فترة طويلة. ولكنني أعتبر أن سورية كلها يجب أن تكون محررة، لأن هذه الأرض ملك للناس التي يعيشون عليها وليست للطغاة الذين اغتصبوها. كنت أنتظر هذه الزيارة للعودة إلى التصوير والتوثيق ونقل ما يجري، خصوصاً أنه تربطني علاقة حميمة تشبه العشق بحلب، كمصور صحافي. وحين وصلت إلى الحدود، كان لدي كثير من العروض لأذهب إلى مناطق أخرى، إنما كان لدي شغف أن تكون حلب هي المحطة الأولى». ويختم: «قبل الثورة كنت اشتغل على ثيمات سياحية، من خلال زيارة الأسواق والمساجد... ولكن اليوم، اشتغل على ثيمات تصنع التاريخ وأنا أستحضر هذه الصور لتوثق هذه التفاصيل من الدمار والخراب التي سيزيلها غد سورية الأجمل. لكي لا ننسى».