يعد الفنان الفوتوغرافي كريم الشبلي من قلائل المصورين الذي تخصصوا في تصوير الحج والموضوعات الإسلامية على وجه التحديد، قائلًا إنها مسرح للجمال الرباني، ومجال للأحاسيس الصادقة، التي ما على المصور إلا التقاط هذه اللحظات الرائعة. وأشار الشبلي إلى أن التواضع يمثّل العنصر الأساسي لأي فنان فوتوغرافي يود الاستمرار وتقديم عطاء متميز، على أن يقترن هذا التواضع بالموهبة والدراسة الأكاديمية المناسبة التي تصقل الموهبة. وأبدى الشبلي أسفه لحال المعارض الفوتوغرافية، مبينًا أنها مقتصرة على فئة وأسماء بعينها، مبديًا استعداده للمشاركة في أي معرض فوتوغرافي متى ما قدمت له الدعوة.. بدايات الشبلي، ورؤيته للموهبة الفطرية وكيفية تمنيتها ورسالته للواعدين في مجال التصوير، كل هذه المحاور وغيرها طي هذا الحوار: ماذا عن بداية مشوارك مع التصوير الفوتوغرافي؟ كانت بداياتي منذ صغري. حيث وجدت لدي شغف دائم بعالم الصورة، يأخذني منظر المصورين وهم يلتقطون الصور، فأقف أمام الصورة متأملًا في جمالها، وكيف استطاع المصور أن يلتقطها، وكيف أن هذه الصورة خرجت بهذه الروعة، هذه الدهشة هي التي قادتني إلى هذا المجال الذي طالما أحببته. وبدأت رحلتي في اقتناء كاميرا صغيرة جدًا لا تعد شيئًا في ذلك الوقت. لكن إصراري حينها جعل منها ذلك الشيء الكبير الذي أستطيع الاعتماد عليه كأول خطوة أخطوها على هذا الطريق. ومضيت في مسيرتي. لم أترك شيئًا لم أصوره، أخطئ هنا وأستفيد من هنا وأتعلم من هناك. وهكذا حتى تبنتني إحدى الجهات الإعلامية بعد أن رأت بعض صوري عن طريق المصادفة. ومن هنا كانت محطتي الثانية في التدرب على تصوير المناسبات والندوات والاحتفالات الخاصة منها والعامة. وبدأ ذلك الاحتكاك والتعامل مع كبار المصورين ومحترفيهم. لم أكن أتوانى عن سؤالهم عن كل ما يشغل بالي في هذا المجال في سعي مني لإضافة المزيد والمزيد من الخبرات لإرضاء ذلك الشغف الذي يشغل بالي ليلًا ونهارًا، وقناعة مني بأنه مهما بلغ علم الإنسان فإنه سيظل يجهل الكثير والكثير. هذه المرحلة أستطيع أن أسميها بداية احترافي للتصوير. انحياز للواقع ما أبرز الموضوعات التي تركِّز على تصويرها؟ أسلك في ذلك مسارين؛ الأول إذا كان الموضوع ربحيًا فهنا أجد نفسي غير مخيَّر في اختيار الموضوعات أو الاتجاهات التي سأصورها. لكن هذا لا يمنعني من محاولة الإبداع والتجديد في أي اتجاه أجد نفسي موضوعًا فيه، فهنا تكون الاستفادة مزدوجة وفرصة أيضًا لتوسيع دائرة العلاقات الإعلامية المشتركة بين الإعلاميين. وعادة ما تكون بيئة خصبة لتبادل الخبرات. أما إذا كان الموضوع غير ربحي فهنا أجد حرية في اختيار موضوعاتي أو أفكاري التي أحاول أن أضعها في صورة. وعادة ما أعتمد في اتجاهاتي على الصور ذات الطابع المؤثر التي تكثر فيها الملامح البشرية والاقتراب من الواقعية، أحاول أن أجعل من تلك الصورة شيئًا يتحدث عن نفسه بعيدًا عن أي مبهم قد لا يوصل المعنى للقلب. قد تستغرب هذا الأسلوب في التفكير، لكن إذا حاولت أن تستنتج الهدف الحقيقي لهذا النوع من الفنون الصورية ستجد أنه دائمًا ما يتحقق عندما يكون المعنى قد وصل إلى كل مشاهد. من باب التبسيط؛ أجد في صورة ذلك الرجل المسن المحرم الذي يقف في صعيد عرفات داعيًا ورافعًا يده أفضل من صورة وردة. لا أقصد من كلامي أني لا أحبذ الصور الخيالية، ولكن في نفس الوقت لماذا لا أجعل إبداع الخيال ينبض من الواقع؟ معارض مقصرة لماذا لا تشارك في المعارض الفنية أو معارض جمعية الثقافة والفنون؟ هذا جانب مهم تطرقت إليه وليتك لم تفعل. هناك تقصير شديد من القائمين على تلك المعارض في الإعلان عنها أو في مواعيدها. كما أن تلك المعارض محصورة بطريقة غير مباشرة على بعض المصورين ممن حالفهم الحظ للتواجد والمشاركة فيها. أمتلك العديد من الصور الرائعة التي تستحق أن أشارك بها؛ لكن المعارض لا تمتلك إعلامًا جيدًا يعلن عنها وعن مواعيدها. وعلى حد علمي أيضًا أرى أنها لا تمتلك جمهورًا كبيرًا إذا ما قارننا ذلك بالمعارض التي تقام في جميع دول العالم. أتمنى من كل قلبي أن تتاح لي فرصة حقيقية للمشاركة في هذه المعارض، خاصة التي تنظمها الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، فإذا ما علمت عنها أو عن مواعيدها فلن أتوانى في المشاركة ففي ذلك شرف كبير لي ودافع قوي للارتقاء بمهاراتي الشخصية حبًّا في التنافس الشريف. عائق نفسي من واقع تجربتك.. ما أبرز المعوقات التي تعيقك كمصور؟ يعيقني ما يعيق الكثير من المصورين.. حقيقة لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذه البلاد الرائعة وبهذه المملكة الغالية التي طالما نجوب في أراضيها وتراثها وطبيعتها الخلابة، ولكن في نفس الوقت نجد صعوبات كمصورين لإبراز هذه السمات. على سبيل المثال هناك صعوبة في استخراج تصاريح التصوير وعدم إعطاء الحرية الكاملة للمصورين، فهناك صعوبة للحصول على تصريح بالتصوير في بعض الأماكن، وهذا الوضع يخالف ما هو موجود في دول العالم الأخرى؛ حيث إنك تستطيع أن تصور في أي مكان وفي أي زمان وقتما تشاء وكيفما تشاء. أما العائق الآخر والأهم فيكمن في تقبل المجتمع لنا كمصورين. لا أقصد من الناحية الشخصية ولكن من ناحية عدم تقبل وجودنا في الأماكن العامة. لأن البعض قد يعتبره اعتداءً على حرياتهم الشخصية أو على خصوصية العوائل بشكل خاص مما يحرمنا التقاط العديد من الصور التي من الممكن أن تكون ذات طابع خاص. لذلك فإننا نحتاج إلى مجتمع يهتم ويقدر ويعتني بهذا النوع من الفنون، لأن ذلك سيدفعنا إلى مزيد من التقدم والإبداع وتقديم موضوعات يهتم بها مجتمعنا. الصور الرائعة لا يمكن أن ألتقاطها إلا إذا كان المصور في حالة صفاء ذهني تام وتركيز عالٍ. وهذا ما قد لا نجده كثيرًا بسبب مشاغل الحياة. معانٍ متعددة على امتداد تجربتك، ماذا قدم لك الفن الفوتوغرافي؟ قدم لي ما لم يقدمه لي أي مجال آخر. عرفت عن طريقه معنى الإحساس والإتقان والتعمق في لمحات الخيال داخل إطار تلك الصورة. هذا الفن أجد فيه نفسي ولا يمكن أن أصف لك مدى تعلقي بالصور التي ألتقطها وكيف أنني أتمعن أحيانًا فيها محاولًا ابتكار أساليب أفضل للتصوير. كما قدم لي هذا الفن الكثير من الأصدقاء ممن تعرفت عليهم عبره. طموحنا واحد وهوايتنا واحدة وإن تعددت الأساليب والأفكار.. كما أنني ومن خلال هذا الفن وضعت لنفسي رؤية مستقبلية أحاول أن أحقق بها التميز والإبداع والإصرار على النجاح بإذن الله تعالى. التواضع شرط النجاح من واقع تجربتك.. كيف لك أن ترسم لنا مقومات المصور الناجح؟ أهم مقومات النجاح التواضع؛ فإذا ما توفرت هذه الصفة في أي مصور فستكون بدايته رائعة ويستطيع من خلالها الصعود إلى القمة، وهذا بالطبع لا ينفي ضرورة وجود مقومات أخرى مهمة؛ كأن يكون صادقًا مع نفسه فيما يقدمه لهذا الفن، أو لمن يشاهد ويحاول الاستفادة من خبرات الآخرين وإن كانوا مبتدئين، وأن تحتوي الصورة التي يريد أن يصورها بمشاعره وأحاسيسه قبل أن يلتقطها فسيلاحظ الفرق. كما أن المصور الناجح هو من يثقف نفسه دومًا في مجاله من خلال كثرة القراءة والاطلاع فيما كل ما يتعلق بمجال التصوير وإبداعه. من وجهة نظري أنه لا يوجد شيء في الحياة إلا وله أسرار وقواعد ومن ذلك فإن التصوير له أسس يعتمد عليها لتكوين الصورة الناجحة وبذلك يكون ذلك المصور الناجح. هواية وليس تجارة هل اشتغالك بالتصوير على أنه هواية وفن أم مهنة وصنعة؟ بالتأكيد كهواية وفن، لأنه إذا دخلت في التصوير العناصر المادية فسوق يفقد إبداعه، إضافة إلى ما قد سيحدث من انخفاض في المستوى. جمال ربّاني يلاحظ عليك تركيزك على تصوير الحج والمشاعر المقدسة، فلم ذلك؟ إذا ما بحثت عن مكان تجتمع فيه الروعة والجمال والهيبة والصدق والمشاعر الحقيقية والصورة العالمية فسوف تجد ذلك كله في هذه الأماكن والمشاعر المقدسة. استمتع كثيرًا بالتصوير هناك، حيث تجد هذا يدعو ربه وذاك يستغفره وآخر مكبرًا وملبيًا، هؤلاء الناس يأتون من آخر الأرض إلى أفضل بقاع الدنيا فتجد على محياهم تلك الفرحة الصادقة التي يتمناها الكثيرون. في مثل هذه الأماكن لا يجب أن تتفنن في الصورة أو أن تضفي عليها أي تصنُّع. فما تجده هو جمال رباني حقيقي وكل ما عليك هو أن تمسك بالكاميرا وتلتقط بعض هذه الأحاسيس الرائعة التي قد لا يحويها مكان أو زمان آخر. بم تنصح المهتمين بمجال التصوير؟ - أنصحهم بالاستمرار في تنمية هذه الموهبة لديهم وتعزيزها والبعد عن العشوائية والتخبط واتباع خطة منهجية وأكاديمية في تطوير قدراتهم وأن يكون لهم هدف واضح وحقيقي يسعون إليه ليصلوا بأعمالهم للتميز والإتقان لأن التصوير هو فن الرؤية البصرية. عدسات مختلفة هل على الفنان الفوتوغرافي أن يمتلك موهبة خاصة للإبداع أم يكتفي بالخبرة والكاميرا الاحترافية.. وهل يوصف كل من التقط صورة جيدة أنه مصور متميز؟ دور الفنان هو الأساس الذي يرتكز عليه الإبداع، فهو من يبدع العمل ويسجله في صورة، وهذا الأمر يتطلب منه الاطلاع والبحث عن مختلف أشكال الفنون ليعرف من أين يبدأ وأين ينتهي، وكيف يوزع محتويات الصورة بشكل فني صحيح، وطبعًا لنوعية الكاميرا والعدسات المستخدمة دور أساسي في نجاح الصورة من حيث تكنيكات الإضاءة ودرجة الألوان ودقتها، وهنا أود أن أشير إلى أن لكل حدث نوعية خاصة من العدسات، فالعدسة المستخدمة في السرعة تختلف عن العدسة المستخدمة في البورتريه، والعدسة المستخدمة في تصوير الأجزاء الدقيقة تختلف عنها عدسة المناظر الواسعة. نحو أي الاتجاهات تميل بوصلة طموحك في مجال التصوير الفوتوغرافي؟ طموحي كبير وواسع جدًّا؛ حيث أتمنى الوصول إلى أرقى وأعلى مراكز التصوير المتطور بجميع فروعه وابتكار أساليب ومجالات تدعمه. الأفكار موجودة؛ لكن أحيانًا يصعب الوصول إليها.