يختتم اليوم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة تمام سلام جولته الأولى من المشاورات بلقاء وفد حزب «الطاشناق» بعد أن التقى مساء أمس ممثل تيار «المردة» الوزير السابق يوسف سعادة، من دون أن يتوصل بعد الى التوافق مع قوى 8 آذار على أفكار مشتركة للدخول في صلب تشكيل الحكومة على رغم أن مصادر مقربة من «حزب الله» وحركة «أمل» مازالت تؤكد رغبتهما في تسهيل مهمته، ويؤيدان ما يتوافق عليه الرئيس المكلف مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. وقالت مصادر سياسية مواكبة لمشاورات سلام ل «الحياة» إن قيادات 8 آذار و «التيار الوطني الحر» ستقوّم نتائج الجولة الأولى من المفاوضات لتقرّر إذا كانت ستعاود التواصل معه كفريق موحد أم أنها تفضل الإبقاء على المفاوضات الثنائية بعد تحديد السقف السياسي للبدء في جولة ثانية من المشاورات. وحذرت المصادر نفسها من إشاعة بعض الأطراف أجواء تفاؤلية لا تعكس حقيقة ما دار في الجولة الأولى من المشاورات، وقالت إن تبسيط الأمور وكأنها حققت بعض التقدم، ليس في محله، خصوصاً أن التكتم المفروض على أجواء لقاء سلام وعضو «تكتل التغيير» الوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، لم يصمد طويلاً، في ضوء تأكيد عون على أنه مع المداورة في الوزارات شرط ألا تشمل جميعَها دفعة واحدة، وأن هناك حاجة لتطبيق هذا المبدأ على مراحل، إضافة إلى إصراره على أن يتمثل التكتل ب6 وزراء على الأقل. ولفتت إلى أن عون، وإن كان تجنب الإصرار على أن تتمثل الأكثرية السابقة بالثلث «الضامن» في الحكومة، فإنه جدد مطالبته به من دون ذكره، لأنه ينطلق من مطالبته بحصته في حكومة ستتألف من 24 وزيراً، في ضوء عدم تحبيذ سلام حكومةً فضفاضة من 30 وزيراً. وأكدت أن سلام وباسيل دخلا في بداية البحث الجدي في تركيبة الحكومة، وقالت إن الأخير تطرق الى المداورة في الوزارات ورأى عدم تحقيقها دفعة واحدة، لأن تعميم هذا المبدأ على كل الحقائب يمكن أن يفسر كأنه استهداف لوزراء «تكتل التغيير»، مع أن لا غبار على إدارتهم وزاراتهم. ورأت المصادر أن باسيل أوحى بأن «تكتل التغيير» لا يمانع تطبيق المداورة في عدد من الوزارات، مثل السياحة والصناعة والعمل، من دون أن تشمل الطاقة والاتصالات. وأكدت أن سلام رأى أن هناك حاجة للمداورة في الوزارات لأن من غير الجائز أن تبقى غالبية الحقائب من حصة أطراف سياسيين محددين، أو لحساب طوائف معينة. وقالت إن الثلث الضامن لم يكن مطروحاً على بساط البحث، وإن النقاش في تركيب الحكومة انطلق من أن تتشكل من 24 وزيراً. وأوضحت هذه المصادر أن قرار حركة «أمل» و «حزب الله» تسهيل مهمة الرئيس المكلف، لن يصرف في مكان في حال أسندت الى عون مهمة وضع الشروط حول الحقائب والحصص. وأكدت أن سلام ليس في وارد إعطاء الثلث الضامن لأحد، وأن رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط يتضامن معه، لشعوره بأن توزيع الحقائب على هذا الأساس سيؤدي حتماً الى شل الإنتاج الحكومي، وبالتالي يمكن الكتلةَ الوسطية القيام بدور ضاغط لئلا تتحول الحكومة منذ تأليفها إلى حكومة إدارة الأزمة. ولم تستبعد المصادر لجوء بعض الأطراف في 8 آذار الى إطالة أمد مفاوضات تشكيل الحكومة، لكسب الوقت ولمعرفة إلى أين ستسير الأمور في سورية في ضوء رهانها على قدرة الرئيس بشار الأسد على حسم الوضع العسكري مع دخول «حزب الله» إلى جانبه في معركته مع المعارضة، فتشكيل الحكومة يأتي على وقع اتساع رقعة المعارك في سورية بعد إعلان «حزب الله» أن مشاركته فيها واجب وطني، واستقبال الأسد لوفد من الأحزاب المتحالفة معه، إضافة إلى لقاء الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي. مهمة ليست سهلة وتضيف أن المشهد السياسي الجامع لكل هذه اللقاءات يجب أن يُصرف في مكان ما، خصوصاً في الساحة اللبنانية، لتأكيد النظام السوري وحليفه الإيراني إصرارهما على المواجهة وعدم التسليم للفريق الآخر في لبنان -أي قوى 14 آذار- بالشروط التي وضعتها لتأليف الحكومة، فهي تصب في خانة توجيه رسائل لأكثر من جهة، من بينها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بأن قوى 8 آذار لن تكون الحلقة الأضعف في التركيبة الوزارية الجديدة، وبالتالي فإن مهمة الرئيس المكلف لن تكون سهلة. وتؤكد أن قوى 8 آذار توزع الأدوار في مفاوضاتها مع سلام، من خلال تكرارها ما كانت تقوله لدى البحث في قانون الانتخاب الجديد من أنها تؤيد على بياض ما يرتضيه العماد عون، وتعتبر أن «حزب الله» يريد من خلال رمي المسؤولية على الأخير، أن يوحي أن المشكلة ليست بين السنّة والشيعة كامتداد للتأزم الحاصل في المنطقة ولمشاركته في القتال بسورية، وإنما بين الرئيس المكلف ومن يدعمه وبين عون. لذلك يصر عون على أن يخوض مفاوضاته مع سلام من خلال باسيل، بتسخين الموقف في محاولة لثنيه عن تصوره لتأليف الحكومة، مع أنه يدرك أن قوى 14 آذار وإن كانت لم تبلّغ الرئيس المكلف أيَّ شروط، لن تسمح لعون بأن يكون الآمرَ الناهي في عملية التأليف التي تعترضها الألغام السياسية. وعليه، فإن استحقاق تأليف الحكومة لن يكون سهلاً مع تظهير دفعة من شروط عون حول حجم تمثيله وتحقيق المداورة في الوزارات، وهو يتساوى مع استحقاق إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وعلمت «الحياة» أن نعي «لجنة التواصل النيابية» بعد قرار تعليق اجتماعاتها، سيقود حتماً إلى السؤال عن مصير إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في حزيران (يونيو) المقبل، وأيضاً عن الجلسة النيابية المقررة في 15 أيار (مايو) المقبل في ظل تعذر التوافق على قانون انتخاب مختلط يجمع بين النظامين النسبي والأكثري بسبب إحجام «حزب الله» و «تكتل التغيير» عن مقاربته في اللجنة. ومع أن عون يراهن على أن مشروع اللقاء الأرثوذكسي سيحضر بامتياز على جدول أعمال الجلسة النيابية التشريعية بذريعة عدم وجود قانون بديل، فإن رئيس المجلس نبيه بري يتهيب ما سيكون عليه الموقف، وبالتالي لم يفقد الأمل في إمكان التوصل إلى خلطة تؤمن التوافق على قانون انتخاب جديد، وهو يُجري حالياً مشاورات بعيدة من الأضواء مع رؤساء الكتل النيابية أو من ينوب عنها، واستقبل لهذه الغاية الوزير في «جبهة النضال الوطني» وائل ابو فاعور. وتؤكد مصادر نيابية أن بري لن يغامر في تأكيد عقد الجلسة في موعدها ما لم ينجح في ابتداع أفكار جديدة تشكل نقطة تلاق لإقرار القانون، وإنما بعد اجتماع الكتل على تأجيل الانتخابات لأسباب تقنية ولوجستية. لكن رغبات بري تصطدم بصعوبة التوافق على القانون البديل، وبالتالي لا يرغب في أن يخسر تحالفه مع جنبلاط بدعوته البرلمان للنظر في المشروع الأرثوذكسي، وهذا ما بدأ يطرح منذ الآن التفاهم على مخرج يؤدي الى التمديد للبرلمان، لقطع الطريق على فراغ في المؤسسة التشريعية، في ظل المخاوف من فراغ في السلطة الإجرائية، إلا إذا حصلت معجزة تسرِّع ولادة الحكومة. إلا أن انشغال بري في البحث عن أفكار جديدة لقانون انتخاب جامع لن يمنع 11 نائباً هم نواب «جبهة النضال الوطني» الثمانية ومعهم نائب رئيس البرلمان فريد مكاري وعضو «اللقاء الديموقراطي» مروان حمادة وأحمد كرامي من كتلة الرئيس نجيب ميقاتي، من إنهاء صوغ الطعن بالقانون الذي أقره البرلمان في جلسته الأخيرة، بتعليق المهل الانتخابية. وعلمت «الحياة» أن الطعن بالقانون سيقدم اليوم بواسطة عدد من النواب الى المجلس الدستوري على خلفية أنه من غير الجائز تعليق المهل في قانون الانتخاب لعام 1960 الذي ما زال نافذاً، لغياب القانون البديل. ويقول عدد من النواب الموقعين على الطعن، إن تعليق المهل غير قانوني ومخالف للدستور، لأنه يتعارض مع القوانين المرعية وينسف الدعوة الى الانتخابات في موعدها لئلا يحصل فراغ في السلطة التشريعية، وبالتالي لا بد من تعليق العمل بهذا القانون ووقف مفعوله.