كان من المفترض أن تساعد المحكمة الجنائية الدولية بنغلادش في وضع خاتمة للفظائع التي رافقت ولادتها كدولة في 1971. لكن المحكمة المحلية أثارت أسوأ عنف سياسي تشهده البلاد. في واقع الأمر، كانت المحكمة تنظر في أمر متهمين بارتكاب فظائع في الحرب التي أسفرت عن استقلال بنغلادش عن باكستان. ووفقاً لمنظمة «أوديكار» البنغالية المدافعة عن حقوق الإنسان، مات أكثر من مئة شخص بين الخامس من شباط (فبراير) والسابع من آذار (مارس) في ما سمته المنظمة «موجة قتل» شنتها هيئات تطبيق القانون بذريعة السيطرة على العنف. وقتل على الأقل 67 شخصاً بعدما نطقت المحكمة بحكمها في 28 شباط. وقضى الحكم بإعدام ديلوار حسين سعيدي، شنقاً، وهو أحد قادة «الجماعة الإسلامية» أكبر الأحزاب الإسلامية في بنغلادش بسبب مشاركته في أعمال قتل وخطف واغتصاب وتعذيب واضطهاد. كان الحكم متوقعاً. بيد أن رد فعل أعضاء في تنظيم «شيبير»، الجناح الطالبي ل «الجماعة» اتسم بالحدة. وقتلت الشرطة والقوات شبه العسكرية 23 محتجاً في غضون يوم من صدور الحكم. وفي 3 آذار نشرت الحكومة قوات في منطقة بوغرا شمال غربي العاصمة داكا بعدما هاجم أكثر من 10 آلاف من مؤيدي «الجماعة» مسلحين بقضبان وقنابل محلية الصنع، مراكز للشرطة ومكاتب حكومية. تتصرف «الجماعة» كحركة تمرد أكثر مما تفعل كحزب سياسي. واستخدم الرعاع الأطفال دروعاً بشرية، وهاجموا بيوت الهندوس ومعابدهم وقتلوا رجال شرطة. وفي مدينة جنيداه اقتلعوا عيني أحدهم بعدما قتلوه. وقرب تشيتاغونغ في الشرق، أخفقوا في إحراق 19 شرطياً أحياء، لكنهم قتلوا أحدهم بطعنة في العنق. وأحبط العنف الأمل بأن يلهم عمل ثأري عام ضد «الجماعة»، يقدم عليه نظام قضائي معطل، نوعاً من الفعل التطهري في البلاد. من المقرر صدور 7 أحكام أخرى، يرجح أن يعلن أكثرها في الأشهر المقبلة. والاسم التالي على اللائحة هو غلام أعظم، رئيس «الجماعة» عام 1971، المتهم بإنشاء فرق الموت الموالية لباكستان. ويسعى الادعاء إلى إنزال عقوبة الإعدام بأعظم، والذي شبهه في مرافعته الختامية بأدولف هتلر. وإذا وُجِد المتهمون مذنبين، كل قيادة «الجماعة» ستُعلَّق على المشانق. ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً اثنين من قادة حزب المعارضة الأكبر «حزب بنغلادش الوطني» الذي حكم البلاد حكماً ائتلافياً مع «الجماعة» حتى 2006. ويبدو أن عدداً من الانتهاكات القانونية سُجِّل أثناء المحاكمة. فمن بين القضاة الثلاثة الذين حكموا على سعيدي، سمع واحد منهم بعض الأدلة التي يملكها الادعاء، فيما لم يسمع الثاني بأي أدلة، أما الثالث فلم يعرف بوجود أدلة من أي نوع. ويبدو أن ذلك يندرج في حقوق القضاة ضمن أنظمة المحكمة. لكنه يعزز الانطباع بالاستعجال لإكمال الإجراءات قبل الانتخابات المقررة نهاية العام. ومن وجهة النظر السياسية. وظهر جلياً أن الحزب الوطني إذا وصل إلى السلطة سيبطل الأحكام. والعلمانية الراسخة في هذا البلد المعتدل بأكثريته المسلمة، باتت مهددة إذا عاد الحزب الوطني إلى السلطة، وتأمل الهند بألا يحصل ذلك. وأطلق ديبلوماسيون أجانب في داكا دعوات مهذبة إلى محاكمات لائقة وضبط النفس. لكنهم تعاملوا مع المحاكمات باعتبارها شأناً داخلياً لا يعنيهم. لكن كل محاولة للتدخل في العملية القضائية البنغالية ستواجه بالاعتراض. * عن «ذي إيكونوميست» البريطانية، 9/3/2013، إعداد حسام عيتاني