بعد أن استُقبلوا بالترحاب في مناطق المعارضين، وقعت مؤخراً مواجهات عدة بين «جبهة النصرة الاسلامية» المتطرفة، التي تضم قيادات عربية في صفوفها، وبين سكان بلدات في شمال غربي سورية، ليس لأسباب سياسية وإنما لتفسيرها المتطرف للشريعة وفرض أسلوبها على حياة المواطنين ومحاولتها فرض أحد شيوخها كل يوم جمعة لإمامة المصلين. ووقعت أربعة حوادث على الأقل، بدأ احدها باشتباك بالأيدي كاد يتحول الى مواجهة مسلحة في بلدة اطمة بمحافظة ادلب (شمال غرب)، وفق ما أفاد شهود وسكان طلبوا عدم كشف هوياتهم. وقال شاهدان إن مقاتلين من الجبهة تدخلوا مطلع الأسبوع في إشكال بين سكان بلدة القاح وأبعدوا شخصاً تلفظ بعبارات مسيئة للدين بعد حادث سير، قبل أن يحاولوا نقله إلى دارة عزة ليمثل أمام «محكمة إسلامية». لكن شقيقه، وهو مسؤول محلي نافذ، استقدم عشرات المسلحين لإطلاق سراح أخيه، بينما استقدم مقاتلو «النصرة» تعزيزات من مقرهم في أطمة. وحاول المقاتلون نقل الرجل مستخدمين سيارتين، لكن المسلحين أطلقوا النار على العجلات، وفق الشاهدين، اللذين قالا إن السكان قبضوا على احد قادة المجموعة. وأطلق أهالي القاح بعد يومين سراح القيادي في الجبهة بعدما حلقوا لحيته الطويلة، وذلك نتيجة عملية تفاوض أطلق بموجبها عدد من السكان المحتجزين لدى «النصرة». واحتفل السكان بهذه العملية بإطلاق النار الكثيف في الهواء. وفي حادث آخر حاول شيخ اردني ينتمي الى «النصرة» التحدث في احد مساجد اطمة خلال صلاة الجمعة، لكن احد وجهاء البلدة منعه من ذلك، وفق السكان. واندلعت مشادات بين السكان ومقاتلي الجبهة المسلحين. وقبل يومين من الحادث المذكور، وقع خلاف مشابه مع شيخ كويتي حاول أخذ مكان إمام بلدة الدنا في المسجد. ولم تكن «جبهة النصرة» معروفة قبل بدء النزاع في سورية منتصف آذار (مارس) 2011، لكنها اكتسبت دوراً متعاظماً على الأرض، وتبنت تفجيرات استهدفت غالبيتها مراكز أمنية وعسكرية. وكانت هذه الجبهة، التي تضم في صفوفها متطوعين أجانب من جنسيات مختلفة، اكتسبت احترام العديد من السوريين في مناطق المعارضين وسط مخاوف وتساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه الجماعة. وأعلنت «جبهة النصرة» مسؤوليتها عن مئات الهجمات وعشرات العمليات الانتحارية في سورية. ومنتصف كانون الأول (ديسمبر)، أدرجت واشنطن الجبهة على لائحة التنظيمات الإرهابية، مشيرة إلى ارتباطها بتنظيم «القاعدة» في العراق. وبدلاً من عزل «جبهة النصرة» ساهم القرار الأميركي في زيادة الدعم للجهاديين، حتى أن عددا من المصلين قالوا لدى خروجهم من المساجد: «كلنا جبهة النصرة». لكن يبدو أن هذه المواقف سرعان ما تبدلت. وصرح احد وجهاء اطمة: «نسجل كل يوم مثل هذه الحوادث مع هؤلاء الأشخاص الذين يريدون ان يفرضوا علينا أسلوبهم. بدأوا يطرحون علينا مشكلة». وكان هذا المسؤول يشيد بمقاتلي «النصرة» منذ زمن ليس ببعيد، إذ قال إنهم «الوحيدون الذين هبوا لنجدة السوريين عندما تخلى عنهم العالم أجمع». وهذه الحوادث غير مرتبطة بقناعات سياسية، بل بأمور تتعلق بالحياة اليومية يعتبرها مقاتلو الجبهة «غير إسلامية». كما يثير وجود بعض الأئمة غير السوريين في المساجد استياء متنامياً. وشكا مسؤول آخر في اطمة بالقول: «لقد قبلنا بأن يأتي شيخ النصرة (الأردني) إلى المسجد من حين لآخر. لكن الآن يريدون أن يفرضوا علينا شيخهم كل يوم جمعة، هذا أمر غير معقول». وأضاف: «حتى أن البعض منا وُصف بالكفار. من يظنون أنفسهم للتحدث إلينا بهذه الطريقة ويفرضون علينا أسلوبهم في حياتنا اليومية؟». وحتى الآن، كانت جبهة النصرة حريصة على كسب ود السكان من خلال انضباط مقاتليها أو حتى بفضل الأنشطة المحدودة لجناحها «الإنساني»، قسم الإغاثة.