«لست رجلاً يحب الجوائز أو يهتمّ لأمرها، ولكن ما إن عرفت أنّ بلدي لبنان سيمنحني جائزة تُدعى «فينيكس» حتى عزلت نفسي وغرقت في التفكير بأبعاد هذه البادرة. اسم هذه الجائزة المشتق من كلمة «فينيق» عنى لي الكثير. لقد فكرت بكلّ الذين رحلوا. بهؤلاء الذين نحملهم في دواخلنا. وكما أنّ طائر الفينيق يولد من رماده بعد موته، وجدت أن عليّ العودة إلى لبنان لألوّن كل هذا الحداد الذي يُغطّي لبنان». الكاتب المسرحي وجدي معوّض الذي هاجر طفلاً وعائلته خلال الحرب الأهلية اللبنانية إلى فرنسا، ومنها إلى كندا التي احتضنته بعد أن لمع اسمه كاتباً بالفرنسية وكرّمته مع دول أوروبية، عاد إلى وطنه الأمّ ليتسلّم جائزة «فينيكس» الثقافية لعام 2012 عن كتابه «أنيما» (ليمياك/ أكت سود). هذا الكتاب الذي وصفه الكاتب الفرنكوفوني ألكسندر نجّار بالقول: «هو ليس رواية ولا قصيدة ولا تراجيديا يونانية ولا رواية سوداء، بل هو كلّ ذلك». وبمناسبة وجوده في لبنان لتسلم جائزته، دعته مؤسسة سمير قصير للمشاركة في مؤتمرها الصحافي للإعلان عن برنامج مهرجان «ربيع بيروت» الذي يكرمه ضيف شرف في دورته الثامنة، ويُقام نهاية أيار (مايو) عشية ذكرى استشهاد الكاتب والصحافي سمير قصير. وشارك في المؤتمر، إلى جانب معوّض، سفيرة كندا في لبنان هيلاري شيلدز، والفنانة والمؤلفة الموسيقية تانيا صالح، ورئيسة مؤسسة سمير قصير الإعلامية جيزيل خوري، ومديرة مهرجان «ربيع بيروت» رندة الأسمر. واعترف صاحب «حرائق» خلال المؤتمر أنّه لا ينفكّ يسأل نفسه «ما الذي أتى بي إلى هنا؟». لكنّه أجاب نفسه قبل الآخرين أنّه لم يعتبر نفسه يوماً من جذور لبنانية، وإنما لبنانياً، لم يغب وطنه الأصلي يوماً عن باله أو عن كتاباته. وصرّح معوّض أنّه كان يحلم دائماً بأن يُصبح بطلاً، إلاّ أنّ الأحداث المُحيطة أكدت له صعوبه ذلك. لكنّ «موت سمير قصير هو الحركة البطولية الكبرى. أن يموت المرء من أجل كلامه أمرٌ يعكس جرأة استثنائية وبطولة أسطورية كتلك التي نصادفها لدى شخصيات تراجيدية مثل أنتيغون». وقال إنّ هذه الدعوة التي وجهت إليه للمشاركة في مهرجان ربيع بيروت الثقافي كانت بمثابة شرف كبير له لأنّها تحمل اسم هذا البطل الذي جعل لهذه الدعوة قيمة خاصة في نفسه، وجعلته يشعر بأنّ تقديم أعماله في وطنه الأمّ لن يكون أمراً هامشياً». أعمال مسرحية بعد ذلك، عرضت مديرة «مهرجان ربيع بيروت» رندا الأسمر برنامج المهرجان (26 أيار/ مايو- 31) الذي يُقدّم أعمالاً لوجدي معوّض ( 27 و28 أيار) ومنها مسرحيته Les Incendies «الحرائق» ومسرحية «الحارسة» (La sentinelle) ومونودراما «وحيدون» (Seuls) .أمّا المحاضرة السنوية، فيُلقيها ضيف المهرجان الذي كتب أوّل نصّ مسرحي له في التاسعة عشرة . وأبدى الكاتب الحائز جوائز عالمية سعادته بفوزه بجائزة «فينيكس» وبعودته الى لبنان لتقديم عروض مسرحية فيه. وهو أمر يعني له الكثير ويؤثّر فيه إلى أبعد الحدود، لكنه في الوقت نفسه «صادم، عنيف، ومضحك»، فهو كلّما رأى أمكنة معينة أو سمع بأسمائها عادت ذكريات الطفولة لتحتلّ رأسه. وأضاف: «لو لم تهاجر أسرتي إلى الخارج لما أصبحت الرجل الذي أنا هو اليوم، فالفن أتاني من اكتشاف ثقافة المهجر، أنا الذي هاجر لكنه لم ينسَ أبداً أصله وجذوره. أنا لبناني أولاً وقبل أي شيء». وفي نهاية المؤتمر عُرضت لقطات من أعمال خاصة بمسرحيات لوجدي معوّض قدّمت في أشهر مسارح العالم. أما رواية «أنيما» التي حاز عنها وجدي معوّض أخيراً جائزة «فينيكس» اللبنانية فتُفتتح على مشهد درامي. امرأة مقتولة بطريقة بشعة إلى حدّ يصعب وصفه تحفّز جماعة من الأشخاص على البحث عن قاتلها. وفي رحلة البحث يُستعاد الماضي. رواية تُعرّي العنف وتفضحه حتى يكاد القارئ يُصاب بغثيان القرف. هي لعبة تدور بين الماضي والحاضر، بين البشري والحيواني، بين الأنا والآخر. رواية وصفها نجّار أثناء تسليم معوّض جائزته بأنّها صعبة وإنما صاعقة.