لا يذكر المراقبون في إسرائيل معركة انتخابات برلمانية هادئة كالتي تعيشها الدولة العبرية قبل عشرة أيام من توجه نحو خمسة ملايين و660 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع. ويتصرف الإسرائيليون بلامبالاة غير مسبوقة، منطلقين من الافتراض بأن ما كان في السنوات الأربع الماضية هو الذي سيكون بعد 22 الشهر الجاري، إذ تصرّ استطلاعات الرأي التي نشرت أمس أيضاً على أن تكتل أحزاب اليمين – المتدينين يفوز بغالبية مطلقة من المقاعد البرلمانية، ما يعني أن رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتانياهو هو الذي سيشكل حكومة ثالثة برئاسته، وهو الذي سيقرر هل تكون يمينية – دينية متطرفة أم يزيّنها بحزب وسطي ينفي عنها، ولو لفظياً، صفة التطرف، فتأتي الانتقادات الدولية لتركيبتها بلهجة مخففة. ويبدي الحزب الوسطي الجديد «يوجد مستقبل» برئاسة الإعلامي السابق يئير لبيد حماسةً للعب دور المزيّن. ورأى مراقبون لامبالاةَ الإسرائيليين بالانتخابات الوشيكة في نتائج استطلاعات الرأي التي نشرتها الصحف الكبرى الثلاث، «إسرائيل اليوم» و «يديعوت أحرونوت» و «معاريف»، والتي جاءت شبه مطابقة لاستطلاعات الأسبوع الماضي، رغم أنها أجريت بعد أيام من ثلاثة أحداث كان مفروضاً أن تفعل مفعولها في الرأي العام، أولها الانتقادات العنيفة التي وجهها الرئيس السابق لجهاز الامن الداخلي «شاباك» يوفال ديسكين الى نتانياهو ووصفه بالرجل «المتقلب الذي يهرب من المسؤولية وتحركه مصلحته الشخصية في اتخاذ قرارات مصيرية للدولة ويعاني عقدة التاريخ»، والثاني التحرك داخل أحزاب الوسط الثلاثة لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة نتانياهو، والثالث انطلاق الدعاية الانتخابية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. واستغرب معلقون كيف لم تؤثر تصريحات ديسكين وتشكيكه بقدرات نتانياهو على إدارة دفة الأمور في الرأي العام أو تُحدث هزّة، وعزا بعضهم ذلك إلى إدراك الإسرائيليين أنه رغم كل النقائص في شخصية رئيس الحكومة زعيم «ليكود بيتنا»، فإن الدُّرج خالٍ من شخصيات قيادية تنافسه على الزعامة، فيما زعيمة «العمل» الوسطي شيلي يحيموفتش تفتقر إلى الخبرة السياسية وهي القادمة من مجال الإعلام، وكل تخصصها هو في القضايا الاجتماعية، تماماً مثل لبيد «المبتدئ سياسياً»، فيما تعاني زعيمة «الحركة» تسيبي ليفني عدم تحليق شعبيتها. ولفت معلقون إلى استطلاع أجري أخيراً أفاد أن الإسرائيليين لا يثقون بقدرات امرأة على تصريف شؤون دولتهم. كذلك لم يقتنع الإسرائيليون بجدية نيات يحيموفتش وليفني ولبيد لتشكيل جبهة موحدة ضد نتانياهو، إذ رأوا وسمعوا الاتهامات المتبادلة بين قادة الأحزاب الثلاثة غداة الاجتماع الفاشل بينهم الإثنين بعد أن اختلفوا أساساً على مسألة المشاركة في حكومة برئاسة نتانياهو. أما الدعاية الانتخابية، فأجمع المراقبون على أنها جاءت مملة، إذ إنها لم تحمل معها أي جديد، فموضوع السلام مع الفلسطينيين -الذي شكّل في السابق نقطة الخلاف الرئيسة بين اليمين والوسط الذي اعتُبر «معسكرَ السلام» غائب تماماً هذه المرة بعد أن تعمدت زعيمة «العمل» يحيموفتش تغييبه، لاعتقادها أنها بذلك قد تجذب إليها أصواتاً من اليمين المعتدل، فهربت إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما فعله لبيد أيضاً، ليرد عليهما نتانياهو بأن «الملف الإيراني» ومواجهة ضغوط العالم على إسرائيل «لتقديم تنازلات» في الملف الفلسطيني والاستيطان يستوجبان «زعيماً قوياً» للدولة العبرية، وهي صفة موجودة في شخصه فقط، كما تقول الدعاية الانتخابية لحزبه «ليكود – بيتنا». وإزاء ما تقدم، لم يكن صدفة أن تطغى أحوال الطقس العاصف الذي شهدته المنطقة الأسبوع الجاري وتلهُّف الإسرائيليين لسقوط الثلوج في القدس وبلدات الشمال بعد غيابها 20 عاماً واحتفالاتهم بسقوطها، على اهتمامات وسائل الإعلام. وتصدر اكتساء القدس وغيرها حلة بيضاء وصور نتانياهو وهو يتقاذف كرات الثلج مع زوجته ونجليه، عناوين صحف نهاية الأسبوع التي أفردت صفحاتها الأولى لهذا الموضوع ولعشرات الصور وقدمت لقرائها الخرائط بالمواقع الثلجية والوديان الخلابة التي يمكن قضاء نهاية الأسبوع فيها، وزجّت في المقابل بالانتخابات الوشيكة إلى صفحات متأخرة تناولت أساساً نتائج الاستطلاعات. وطبقاً لهذه الاستطلاعات، توقف تراجع «ليكود بيتنا» من الأسابيع الأخيرة عند 33 مقعداً (بحسب استطلاع «يديعوت أحرونوت»)، بل ارتفع إلى 35 («إسرائيل اليوم)، وإلى 38 (استطلاع «معاريف»). ووفق الاستطلاعات الثلاثة، يفوز التحالف المتوقع بين «ليكود بيتنا» والأحزاب الدينية الأكثر تطرفاً ب 64-70 مقعداً (من مجموع 120) في مقابل 40-45 لأحزاب الوسط، و10-11 للأحزاب العربية الثلاثة. وجاء لافتاً في استطلاع «إسرائيل اليوم» أن 25 في المئة من الإسرائيليين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون. كما أكد استطلاع هذه الصحيفة من جديد أن غالبية من 39 في المئة من الإسرائيليين ترى في نتانياهو الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة، في مقابل 10 في المئة لكل من يحيموفتش وليفني.