لم يجد محمد عبدالله وسيلة يدفئ بها جسده هذا الشتاء وكل شتاء، أفضل من تناوله «السليق» الطائفي على مائدة العشاء، بعدما أعده لرفاقه في متنفسهم الوحيد الصامد «الاستراحة». «محمد» و«رفاقه» لم يتركوا سُنة قد سنوها قبل ما يقارب ثلاثة أعوام، إذ اعتادوا كل فصل شتاء على إعداد دورية أسبوعية، يتعهد أحد أعضاء استراحتهم الموقرة بإعداد وطبخ العشاء فيها لمرتادي الاستراحة، ليتفنن السعوديون في إعداد «ما لذ وطاب» من الأصناف المحلية، التي غالباً ما يكون الرز حاضراً بتصدر. الأسبوع الماضي كان ل«محمد» ورواد الاستراحة موعداً مع السليق الطائفي، الذي يصفه أحد رفاقه ب«أبيض الخدين»، ويفضله آخر مطعماً بنكهة السمن البلدي، بينما أعده «محمد» بطريقة طالما أحب أن يأكله بها، وهي «سليق أبو لذعة». رحلة الإعداد بدأت من الرابعة عصراً، إذ شد محمد رحال سيارته إلى حلقة الأغنام لشراء «طلي حري»، الذي شاءت الأقدار أن يكون آخر يومٍ يرى فيه رفاقه من بني جلدته، هو ذلك اليوم الذي وقع اختيار محمد عليه بين عشراتٍ من إخوته المحشورين داخل شبكٍ حديد صدئ، لينتقل به إلى المسلخ المجاور لتفارق روحه الجسد قبل أن يتم ذبحه وسلخه، وتقطيعه بطريقة «المفطح» التي تُفصَل يداه وجزء من أضلعه عن بقية الجسد، ليحتفظ الظهر بثلاثة أضلع، إضافة إلى شحمة الذيل التي غالباً ما تكون دلالة على الاحتفاء بالمدعوين، ودلالة على غلاء ثمن الذبيحة، وقبل الوصول إلى الاستراحة فضل «محمد» طهي ذبيحته الموقرة، مستخدماً الحطب بدلاً من الغاز، ليقع اختياره على ثلاث حزم من الحطب، لم يتجاوز سعر الواحدة منها 20 ريالاً، إضافة إلى شرائه «الرز» الذي يعتبر أهم مكونات إعداد السليق الطائفي. ما إن وصل محمد إلى الاستراحة إلا وبدأت اقتراحات أصدقائه له بطهي السليق في «قدر الضغط»، الذي يوفر الكثير من الوقت والجهد، إلا أن محمداً رفض الضغوطات الكثيرة من رفاقه، وأصر على إعداده على الطريقة التي اعتاد على طهيه بها، بدءاً بسلق اللحم، وإضافة الملح قبل نضوجه، ثم إخراج اللحم في قدر آخر، ووضع الرز في القدر نفسه، ليطهى بالمرق المتبقي من قدر الإعداد الأول. أنواع السليق يختلف إعدادها في الطائف من شخص لآخر، إذ إن هناك السليق بالحليب الذي يتميز بإضافة الحليب على الرز قبل نضوجه بربع ساعة، أو بالسمن الذي يتم التعامل معه بطريقة الحليب نفسها أو السليق «أبولذعة» الذي يعمد فيه الطاهي إلى حرق الرز قليلاً، ليكتسب قليلاً من طعم الحرق، أو السليق «أبودمعة» الذي يقدم عادة بقليل من الماء المتبقي فيه.