على هامش احتفال منظمة اليونيسكو في 18 كانون الأول (ديسمبر) الجاري باليوم العالمي للغة العربية، برهنت غالبية دول البلقان على صلتها القوية باللغة العربية ماضياً وحاضراً. وعندما نقول ماضياً نقصد زمن الدولة العثمانية التي انضوى البلقان تحت جناحها، حين كانت العربية لغة الثقافة والتعليم الشرعي في الكتاتيب والمدارس والمساجد، في ساراييفو وإسكوبيي وصوفيا، وبرشتينا ونافي بزار، وغيرها من حواضر البلقان الكثيرة، ويدل على الصلة القوية بالعربية التي كانت لمعظم دول البلقان آنذاك، هذا العدد الكبير من المكتبات القديمة المنتشرة في معظم مدنه الشهيرة، وهذا الكم الضخم من المخطوطات العربية في كل فنون العلم، والتي وصلت بطرق مختلفة إلى أيدي الشيوخ والدعاة وطلاب العلم، وساهمت في رفع مستوياتهم العلمية وصلتهم الدينية، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على المجتمعات البلقانية بشكل عام، وأكدت إسلامية هذا الإقليم الكبير من أقاليم تلك الدولة الكبيرة التي أدت إلى سقوطها وانهيارها عوامل كثيرة، داخلية وخارجية، معروفة لدى الدارسين لتاريخ أمتنا الإسلامية في العصر الحديث. أما حاضراً، فتتأكد الروابط من خلال انتشار المدارس الشرعية والكليات الإسلامية في معظم المدن البلقانية الرئيسية، ومن خلال أئمة المساجد وخطبائها الذين تخرَّجوا في غالبيتهم العظمى من جامعات ومعاهد في الدول العربية من محيطها إلى خليجها، والذين يؤكدون صلتهم القوية باللغة العربية والثقافية الإسلامية، حتى إن الزائر لمساجد البلقان بصورة عامة، يظن نفسه في أحد مساجد مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، أو دمشق، أو بغداد الرشيد، أو صنعاء اليمن السعيد، أو قاهرة المعزّ، أو تونس الخضراء، أو طرابلس الغرب، أو مراكش المغرب الأقصى. فخطيب المسجد يفتتح الخطبة بالعربية ويختتمها بالعربية، ويترجم موضوع خطبته من العربية إلى لغة قومه باختصار شديد. وكلية الدراسات الإسلامية في كوسوفا جعلت نصف ساعات التدريس فيها باللغة العربية، إدراكاً من القائمين عليها أهمية اللغة العربية في فهم العلوم الإسلامية، ويجتمع طلاب وطالبات فيها حول أساتذة العربية، في أروقتها ومكتبتها، طالبين منهم المزيد من الإفادة من لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والشعر والأمثال والحكم، والشرع والشريعة الغراء. وهذا الأمر يحتم على القائمين على الجامعات والمؤسسات العلمية والثقافية العربية والإسلامية مدّ يد العون المادي والمعنوي للكليات الإسلامية، والمدارس الشرعية، والمراكز الثقافية في دول البلقان بعامة، لتقوم بدورها التعليمي والتثقيفي المهم في هذه الرقعة الكبيرة وسط أوروبا المعاصرة التي تتطلع بجد نحو تكوين فهم صحيح لدين الإسلام الحنيف.