يقف لبنان الرسمي حائراً أمام عدم قدرته على استيعاب النازحين السوريين والفلسطينيين الوافدين الى أراضيه هرباً من تصاعد حدة القتال بين الجيش النظامي في سورية وبين معارضيه، فيما تزداد حركة النزوح خلافاً لكل التقديرات التي كانت تتوقع انتهاء الصدامات في خلال شهرين أو ثلاثة. وتبدو الحكومة اللبنانية عاجزة عن التوصل الى خطة بسبب الانقسام الحاد الذين يطغى عليها كلما أثيرت المسألة في مجلس الوزراء، وهو ما يعكس الوضع السياسي القائم على الأرض. ولعل غياب الخطة المتكاملة لاستيعاب النازحين، وانعدام الرؤية الناجم عن عدم وجود تقدير للمسار العام للأزمة السورية دفعا في اتجاه اللجوء الى حلول ارتجالية وأحياناً استنسابية لاستيعاب حركة النزوح من سورية، على رغم ان الوزراء المنتمين الى «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط كانوا أول من حذروا من أن الأزمة في سورية مديدة ومفتوحة على كل الاحتمالات وهي تستدعي التوافق على خطة تأخذ في الاعتبار الترفع عن الحساسيات الداخلية وصرف النظر عن المواقف المسبقة سواء من جانب مؤيدي النظام في سورية أم الداعمين للمعارضة فيها. ولا يعني تشخيص الواقع اللبناني للأزمة الراهنة، كما تقول مصادر وزارية ل «الحياة»، أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق لبنان وإنما يتحمل العبء الأكبر منها المجتمع الدولي من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو الدول المانحة التي لم تتدارك المشكلة قبل أن تتفاعل وتفتح جرحاً سياسياً عميقاً في النسيج اللبناني وكأنه لا يكفيه أزمته الداخلية. اضف الى ذلك، ان لبنان - وفق المصادر نفسها - ليس مهيئاً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً لأن يتحمل التداعيات المترتبة على تزايد وتيرة حركة النزوح فيما يرتفع تدريجاً منسوب التوتر الطائفي والمذهبي في ظل الصراع المتمادي بين السنّة والشيعة. وفي هذا السياق، تحذر المصادر الوزارية من حدة أجواء الاحتقان السائدة في البلد والتي أخذت تقترب من تلك الأجواء التي كانت وراء تسريع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في ربيع عام 1975 مع اختلاف في طبيعة أدوات الصراع، «وهذا ما يستدعي من جميع الأطراف بلا استثناء أكانوا في المعارضة أم في الموالاة إعادة النظر في تعاطيهم اليومي مع حركة النزوح من سورية وصولاً الى بلورة موقف موحد يمهد الطريق أمام مجلس الوزراء في جلسته الخميس المقبل للتفاهم عل مجموعة من العناوين الرئيسة لشبكات الأمان السياسية والاقتصادية لحماية لبنان من ارتدادات حجم النزوح الذي فاق كل التوقعات». دور الكتلة الوسطية وترى المصادر عينها أن الكتلة الوسطية في مجلس الوزراء ومن خلال رئيس الجمهورية ميشال سليمان، «قادرة على التخفيف من الأضرار السياسية والأمنية لحركة النزوح شرط أن يخرج معظم وزراء «قوى 8 آذار» من إصدار أحكامهم السياسية المسبقة على النازحين وتحديداً من خلال التعاطي معهم وبالجملة على انهم كتلة سياسية تتناغم مع قوى 14 آذار». وتضيف أن التوصل الى خطة عملية متكاملة لاستيعاب النزوح «يتطلب أولاً تغليب الشق الإنساني في التعاطي معهم على الشق السياسي الذي يحاكم هؤلاء على النيات، وعدم النظر الى السواد الأعظم منهم على انهم ينتمون الى مجموعات إرهابية أو يمارسون نشاطات سياسية معادية لنظام الرئيس بشار الأسد؛ وبالتالي فإن وجودهم يتعارض مع الاتفاقات المعقودة بين لبنان وسورية بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق». وتؤكد المصادر أن «الأوان آن لإتمام الظروف لانضاج مصالحة لبنانية - لبنانية بسرعة تقتصر على التفكير في كيفية حماية لبنان وتحييده عن الصراع الدائر في سورية باعتبار ان المصلحة الوطنية تفرض تجميد الخلافات على الأقل في المرحلة الراهنة والالتفات الى إقرار خطة لاستيعاب حركة النزوح». وتتابع: «الموقف من حركة النزوح لا يشكل مادة سياسية لهذا الفريق أو ذاك يمكن استخدامها إعلامياً ودعائياً لحشر الفريق الآخر أو لإيقاظ الغرائز المذهبية والطائفية». وتعزو السبب الى ان البلد بكل مكوناته وأطيافه «يجد نفسه محشوراً وهناك ضرورة لإخراجه من هذا المأزق قبل فوات الأوان وإلا فإن الجميع شاء أم أبى سيجد نفسه أمام حائط مسدود ولا أفق لإعادة انتظام الحياة السياسية». وتعتقد المصادر الوزارية أن رئيس الجمهورية «لم يكن في وارد ان يقال عنه انه يريد تسجيل «خبطة» إعلامية عندما توافق جميع الأطراف المشاركة في الحوار على مضمون «إعلان بعبدا» الذي أطيح به بدلاً من تهيئة الظروف من أجل أن يرى طريقه الى التطبيق، وإنما كان يتحسب لما سيترتب على البلد من ضغط بسبب تزايد حركة النزوح، لا سيما انه أول من تحسب ومعه عدد من الوزراء بأن الأزمة في سورية يمكن ان تطول». لذلك تؤكد المصادر أن مجلس الوزراء «لم يكن على مستوى المسؤولية»، عازية السبب الى ان «بعضهم سعى من خلال مواقفه الى إشعار النظام في سورية بأنه يقف الى جانبه في وجه معارضيه بدلاً من ان يساهم بالتعاون مع الآخرين في تحييد المجلس عن الانقسام الحاد في سورية ليكون في مقدوره الالتفات الى الجانب الإنساني من المأساة التي يعاني منها العدد الأكبر من النازحين». وترى أن تلكؤ مجلس الوزراء في اقرار خطة كاملة كانت نوقشت في الاجتماعات الماراتونية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الوزراء أصحاب الاختصاص، أوجد ذريعة لدى القوى القادرة في المجتمع الدولي ومعها منظمات الأممالمتحدة للتأخر في الاستجابة لبعض ما ورد في اللائحة التي أعدها وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والتي لم يؤخذ بها في اجتماع الدول المانحة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتي يقترح فيها توفير مبلغ 300 مليون دولار كحد أدنى للبنان ليقوم بواجباته في رعايته النازحين. وتتوقف المصادر الوزارية أمام كمية الوفود الدولية الزائرة للبنان والمكلفة ملف النازحين والتي ما زالت تراوح في مكانها، «إضافة الى ان بعض الوزراء لا يحسنون التعاطي مع الهبات المقدمة للبنان ويحاولون فرزها بين ما هو مقبول وجائز وبين ما هو مرفوض... وعلى سبيل المثال لا الحصر، يروي عدد من الوزراء كيف ان زملاء لهم عارضوا قبول هبة دولية بذريعة انها تحتوي على خيم واشترطوا استثناءها منها للموافقة عليها». ويضيف هؤلاء أن وزراء استغربوا موقف بعض زملائهم وقالوا لهم لا يمكننا ان نرفض قبول الهبة وأكدوا أن السجال انتهى بقرار اتخذ في الجلسة يقضي بتخصيص الخيم للمؤسسة العسكرية. وعليه يمكن ان يستبق رئيس الجمهورية جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل بموقف يصدر عنه بعد زيارته البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في بكركي لتهنئته بحلول عيد الميلاد، يطلق من خلاله صرخة يدق فيها ناقوس الخطر وتكون بمثابة إنذار أخير لعلها تلقى التجاوب المطلوب لتحقيق حد أدنى من التوافق على خطة لاستيعاب حركة النزوح، لا سيما ان تفاقم الوضع لن يقطع الطريق على التحضيرات الجارية لاستئناف اللجنة النيابية الفرعية البحث في قانون الانتخاب الجديد وإنما سيضع مصير إجراء الانتخابات في موعدها في خبر كان!